في فجر يوم ميلادي، استيقظت من حلم، لم يكن مجرد حلم، بل كان لقاءً وتواصلا روحيا، وربما رسالة... من أبي.
رأيتني أسير بجانب ابي على طريق جبلية وعرة كما كنت أفعل صغيرة حين كان يمسك بيدي ويُريني طريق الحياة.
وفجأة، انزلقت قدماي نحو هاويةٍ سحيقة، وبدأت اشعر انني أهوي فيها. لكني، كما تعلّمت منه دائمًا، تمسكت بالحافة بكل قوتي.
رفعت بصري للأعلى، فرأيته هناك، واقفًا على قمة الجبل، مذهولًا، مرتبكًا، لكنه ثابت. كان أبي، بملامح وجهه التي لا تنسى، يناديني:
“تماسكي! لا تخافي! سأُنقذك!”
رأيته يرمي إليّ بطرف حبل، صارخا ان امسك به بقوة، وبدأ يسحبني. كانت ملامحه متعبة، لكنه لم يتراجع. شدّ الحبل وشدني معه كما كان يفعل دائما.. يشدني إلى برّ الأمان، من تساؤلات الطفولة إلى المعرفة، ومن قسوة الحياة إلى مغزاها ومعانيها.
حين وصلت إلى القمة، ركض نحوي واحتضنني. شعرت بحرارة الدموع في عينيه. كان يبكي من الفرح.
لم يكن حلمًا عاديًا… بل كان عناقًا روحيًا، من أبٍ ما زال يحب، ويحمي، ويعطي..رغم رحيله عن الدنيا.
أبي، الذي كان معلمًا بداية حياته، ثم كاتبًا صحفيًا معروفًا بدماثة اخلاقه وابتسامته التي لا تفارق ملامحه، لا يزال حيًا في كل من عرفه. لا يمر يوم دون أن يذكره أحد أمامي بخير.
عندما شرفت بالعمل مؤخرا ضمن الفريق الإداري لمؤسسة 14 اكتوبر للطباعة والنشر، هذه المؤسسة العريقة التي شغل فيها أبي ( فريد صحبي ) منصب نائب رئيس التحرير ونائب رئيس مجلس الإدارة عام 1997م، ورغم انني جزء صغير جدا ضمن فريق الإدارة، إلا اني شعرت انني أسير على نفس الدرب الذي سلكه أبي، اسير في ظله، وفي نوره.
هذا الحلم لم يأتِ عبثًا. ربما لأنني في لحظةٍ ما، كنت بحاجة إلى “الحبل” مرة أخرى. إلى تلك اليد التي تمسك بطرفه الآخر، وتقول لي:
“تماسكي… أنا معك.”
إلى روحك الطيبة يا أبي :
في يوم ميلادي، وما تبقى من ايام حياتي أرسل إليك محبتي وامتناني لانك مازلت معي تنقذني وترشدني الى الطريق… حتى بعد رحيلك.