خلال السنوات الماضية، تمكن تجار الجملة – وأقصد هنا كبار الموردين – من إنشاء مجموعات «واتساب» تضم أصحاب البقالات ومحلات السوبر ماركت وكل من له صلة بمنتجاتهم، بهدف إبلاغهم بأي زيادة في الأسعار فور ارتفاع سعر الصرف، حتى ولو كان ذلك في منتصف الليل.
كنت قريبًا من بعض هؤلاء التجار، وشاهدت هذا الأسلوب عن كثب. كان تجار الجملة يخاطبون بائعي التجزئة قائلين: «أرسلنا التسعيرة الجديدة في الجروب، وهي ملزمة سواء قرأتها أم لم تقرأها، ويجب أن تحاسبنا على أساسها». أنشؤوا هذه المجموعات لتكون أسرع من الموزعين في إيصال التغييرات، وتم استخدامها لفرض الأسعار الجديدة بشكل فوري.
لكن اليوم، هذه الجروبات صمتت. توقفت الرسائل، لأن مصالحهم أصبحت في خطر. بدأ الخوف يتسلل إليهم، وارتجفت فرائصهم تارة يتحججون بأنهم بحاجة لإعادة الجرد والتسعير، وتارة يدّعون أنهم بانتظار استقرار سعر الصرف لتحديد «المعادل الحسابي»، وتارة أخرى يطلبون وقتًا كافيًا لإبلاغ زبائنهم.
هم الآن في فترة مناورة وهناك جهود تبذل لإعادة العملة الوطنية للحضيض مرة أخرى ، تجار بعدد الاصابع يرون مصلحتهم اهم بكثير من مصلحة شعب بكامله.. فأين ذهبت جروبات الأسعار الفورية؟
وأين اختفى تهديد صغار التجار بأن التسعيرة الجديدة ملزمة فور نشرها في الجروب؟!
اليوم، لا رأفة لكم. على مدى سنوات لم ترأفوا بالمواطن، وكانت أسعاركم تنزل عليه كحد السيف، قاسية لا تعرف تأخيرًا حتى لثانية. فكيف تطلبون اليوم شفقة من المواطن الذي تجرع جور جشعكم؟!
كنتم تبيعون بضائعكم بأرباح مضاعفة، وتجمعون الثروات على حساب فقر وكدح البسطاء. لم ترحموا أحدًا، فاليوم لن تُرحموا. هتكتم ستر الناس، وأهدرتم كراماتهم دون شفقة أو خوف من الله. أضفتم فوق أرباحكم نسبًا إضافية احتياطية لأي زيادة مستقبلية، وراكمتم المليارات من عرق الفقراء.
واليوم، بعد تحسن قيمة العملة الوطنية، أصبحتم تتوسلون التأخير في خفض الأسعار. لكن كما كنتم ترفعونها خلال دقائق عند أي ارتفاع، عليكم اليوم وبنفس السرعة إصدار قوائم أسعار جديدة، مخفضة بنسبة لا تقل عن 39 ٪ من الأسعار السابقة.
على المواطن أن يحافظ على هذا المكسب، الذي تحقق بجهود عالية المستوى. فالجهات المسؤولة قد لا تكون قادرة حاليًا على الدفاع عن القرار وحدها، لذا على المواطن أن يقاتل للحفاظ عليه. فالحفاظ على هذا المكتسب هو دفاع عن كرامته وكرامة أسرته.