إعداد/ إدارة الثقافة حفظنا أشعاره منذ الصغر وشكل مدرسونا كلماته في كراريسنا المدرسية وعلمونا مكانة هذا الشاعر الذي أذهل شعراء العرب بإبداعه الشعري.. حافظ إبراهيم ذاك الشاعر الذي ماتزال كتبنا متخمة بكلماته الشعرية ولم تمحها السنون أبداً. [c1]نبذة[/c]محمد حافظ بن إبراهيم ولد في محافظة أسيوط 24 فبراير 1872 - 21 يونيو 1932م. شاعر مصري ذائع الصيت. عاصر أحمد شوقي ولقب بشاعر النيل وبشاعر الشعب.[c1]حياته[/c]ولد حافظ إبراهيم لأب مصري وأم تركية. توفي والداه وهو صغير. أتت به أمه قبل وفاتها إلى القاهرة حيث نشأ بها يتيما تحت كفالة خاله الذي كان ضيق الرزق حيث كان يعمل مهندسا في مصلحة التنظيم. ثم انتقل خاله إلى مدينة طنطا وهناك أخذ حافظ يدرس في الكتاتيب. أحس حافظ إبراهيم بضيق خاله به مما أثر في نفسه، فرحل عنه وترك له رسالة كتب فيها. ثقلت عليك مؤونتي إني أراها واهية فافرح فإني ذاهب متوجه في داهيةخرج حافظ إبراهيم من عند خاله والهم ساجد على وجهه في طرقات مدينة طنطا حتى انتهى به الأمر إلى مكتب المحامي، محمد أبو شادي، أحد زعماء ثورة 1919، وهناك اطلع على كتب الأدب وأعجب بالشاعر محمود سامي البارودي. وبعد أن عمل بالمحاماة لفترة من الزمن، التحق حافظ إبراهيم بالمدرسة الحربية في عام 1888 م وتخرج منها في عام 1891 م ضابطاً برتبة ملازم ثان في الجيش المصري وعين في وزارة الداخلية. وفي عام 1896 م أرسل إلى السودان مع الحملة المصرية إلا أن الحياة لم تطب له هنالك، فثار مع بعض الضباط. نتيجة لذلك، أحيل حافظ الاستيداع بمرتب ضئيل.[c1]نشأته[/c]كان حافظ إبراهيم إحدى عجائب زمانه، ليس فقط في جزالة شعره بل في قوة ذاكرته التي قاومت السنين ولم يصبها الوهن والضعف على مر 60 سنة هي عمر حافظ إبراهيم، فإنها ولا عجب اتسعت لآلاف الآلاف من القصائد العربية القديمة والحديثة ومئات المطالعات والكتب وكان باستطاعته - بشهادة أصدقائه - أن يقرأ كتاباً أو ديوان شعر كاملاً في عدة دقائق وبقراءة سريعة ثم بعد ذلك يتمثل ببعض فقرات هذا الكتاب أو أبيات ذاك الديوان. وروى عنه بعض أصدقائه أنه كان يسمع قارئ القرآن في بيت خاله يقرأ سورة الكهف أو مريم أو طه فيحفظ ما يقوله ويؤديه كما سمعه بالرواية التي سمع القارئ يقرأ بها.يعتبر شعره سجل الأحداث، يسجلها بدماء قلبه وأجزاء روحه ويصوغ منها أدبا قيما يحث النفوس ويدفعها إلى النهضة، سواء أضحك في شعره أم بكى وأمل أم يئس، فقد كان يتربص كل حادث مهم يعرض فيخلق منه موضوعا لشعره ويملؤه بما يجيش في صدره.مع تلك الهبة الرائعة، فإن حافظ صابه - ومن فترة امتدت من 1911 إلى 1932 - داء اللامبالاة والكسل وعدم العناية بتنمية مخزونه الفكري وبالرغم من إنه كان رئيساً للقسم الأدبي بدار الكتب إلا أنه لم يقرأ في هذه الفترة كتاباً واحداً من آلاف الكتب التي تزخر بها دار المعارف، التي كان الوصول إليها يسيراً بالنسبة لحافظ، تقول بعض الآراء إن هذه الكتب المترامية الأطراف ألقت في حافظ الملل، ومنهم من قال: إن نظر حافظ بدأ بالذبول خلال فترة رئاسته لدار الكتب وخاف من المصير الذي لحق بالبارودي في أواخر أيامه. كان حافظ إبراهيم رجلاً مرحاً وابن نكتة وسريع البديهة يملأ المجلس ببشاشته وفكاهاته الطريفة التي لاتخطئ مرماها.و تروى عن حافظ إبراهيم مواقف غريبة مثل تبذيره الشديد للمال فكما قال العقاد (مرتب سنة في يد حافظ إبراهيم يساوي مرتب شهر) ومما يروى عن غرائب تبذيره أنه استأجر قطاراً كاملاً ليوصله بمفرده إلى حلوان حيث يسكن وذلك بعد مواعيد العمل الرسمية.مثلما يختلف الشعراء.. في طريقة توصيل الفكرة أو الموضوع إلى المستمعين أو القراء، كان لحافظ إبراهيم طريقته الخاصة فهو لم يكن يتمتع بقدر كبير من الخيال ولكنه استعاض عن ذلك بجزالة الجمل وتراكيب الكلمات وحسن الصياغة بالإضافة إلى أن الجميع اتفقوا على انه كان أحسن خلق الله إنشاداً للشعر. ومن أروع المناسبات التي أنشد حافظ بك فيها شعره بكفاءة هي حفلة تكريم أحمد شوقي ومبايعته أميراً للشعر في دار الأوبرا الخديوية، وأيضاً القصيدة التي أنشدها ونظمها في الذكرى السنوية لرحيل مصطفى كامل التي خلبت الألباب وساعدها على ذلك الأداء المسرحي الذي قام به حافظ للتأثير في بعض الأبيات، ومما يبرهن ذلك ذلك المقال الذي نشرته إحدى الجرائد والذي تناول بكامله فن إنشاد الشعر عند حافظ. ومن الجدير بالذكر أن أحمد شوقي لم يلقِ في حياته قصيدة على ملأ من الناس حيث كان الموقف يرهبه فيتلعثم عند الإلقاء.[c1]أقوال عن حافظ إبراهيم[/c]حافظ كما يقول عنه خليل مطران (أشبه بالوعاء يتلقى الوحي من شعور الأمة وأحاسيسها ومؤثراتها في نفسه، فيمتزج ذلك كله بشعوره وإحساسه، فيأتي منه القول المؤثر المتدفق بالشعور الذي يحس كل مواطن أنه صدى لما في نفسه). ويقول عنه أيضاً (حافظ المحفوظ من أفصح أساليب العرب ينسج على منوالها ويتذوق نفائس مفرادتها وإعلاق حلالها. وأيضاً (يقع إليه ديوان فيتصفحه كله وحينما يظفر بجيده يستظهره، وكانت محفوظاته تعد بالألوف وكانت لا تزال ماثلة في ذهنه على كبر السن وطول العهد، بحيث لا يمتري إنسان في أن هذا الرجل كان من أعاجيب الزمان). وقال عنه العقاد (مفطور بطبعه على إيثار الجزالة والإعجاب بالصياغة والفحولة في العبارة). ويذكره الشاعر العراقي فالح الحجية في كتابه الموجز في الشعر العربي الجزء الثالث فيقول: (يتميز شعر حافظ إبراهيم بالروح الوطنية الوثابة نحو التحرر ومقارعة الاستعمار سهل المعاني واضح العبارة قوي الأسلوب متين البناء أجاد في كل الأغراض الشعرية المعروفة) كان أحمد شوقي يعتز بصداقة حافظ إبراهيم ويفضله على أصدقائه. وكان حافظ إبراهيم يرافقه في عديد من رحلاته وكان لشوقي أيادٍ بيضاء على حافظ فساهم في منحه لقب بك وحاول أن يوظفه في جريدة الأهرام ولكن فشلت هذه المحاولة لميول صاحب الأهرام - وكان حينذاك من لبنان - نحو الإنجليز وخشيته من المبعوث البريطاني اللورد كرومر.من أشعارهسافر حافظ إبراهيم إلى سوريا، وعند زيارته للمجمع العلمي بدمشق قال هذين البيتين:شكرت جميل صنعكم بدمعي [c1] *** [/c] ودمع العين مقياس الشعور لأول مرة قد ذاق جفني [c1] *** [/c] على ما ذاقه - دمع السرور [c1] *** [/c]لاحظ الشاعر مدى ظلم المستعمر وتصرفه بخيرات بلاده فنظم قصيدة بعنوان الامتيازات الأجنبية، ومما جاء فيها:سكتُّ فأصغروا أدبي [c1] *** [/c] وقلت فأكبروا أربييقتلنا بلا قود [c1] *** [/c] ولا دية ولا رهبويمشي نحو رايته [c1] *** [/c] فنحميه من العطبفقل للفاخرين: أما [c1] *** [/c] لهذا الفخر من سبب؟أروني بينكم رجلاً [c1] *** [/c] ركينا واضح الحسبأروني نصف مخترع [c1] *** [/c] أروني ربع محتسب؟أروني ناديا حفلا [c1] *** [/c] بأهل الفضل والأدب؟وماذا في مدارسكم [c1] *** [/c] من التعليم والكتب؟وماذا في مساجدكم [c1] *** [/c] من التبيان والخطب؟وماذا في صحائفكم [c1] *** [/c] سوى التمويه والكذب؟حصائد ألسن جرت [c1] *** [/c] إلى الويلات والحربفهبوا من مراقدكم [c1] *** [/c] فإن الوقت من ذهبوله قصيدة على لسان صديقه يرثي ولده، جاء في مطلعها:ولدي، قد طال سهدي ونحيبي [c1] *** [/c] جئت أدعوك فهل أنت مجيبي؟جئت أروي بدموعي مضجعاً [c1] *** [/c] فيه أودعت من الدنيا نصيبيويجيش حافظ إذ يحسب عهد الجاهلية أرفق حيث استخدم العلم للشر، وهنا يصور موقفه كإنسان بهذين البيتين:ولقد حسبت العلم فينا نعمة [c1] *** [/c] تأسو الضعيف ورحمة تتدفقفإذا بنعمته بلاء مرهق [c1] *** [/c] وإذا برحمته قضاء مطبقومن شعره أيضاً:كم مر بي فيك عيش لست أذكره [c1] *** [/c] ومر بي فيك عيش لست أنساهودعت فيك بقايا ما علقت به [c1] *** [/c] من الشباب وما ودعت ذكراهأهفو إليه على ما أقرحت كبدي [c1] *** [/c] من التباريح أولاه وأخراهلبسته ودموع العين طيعة [c1] *** [/c] والنفس جياشة والقلب أواهفكان عوني على وجد أكابده [c1] *** [/c] ومر عيش على العلات ألقاهإن خان ودي صديق كنت أصحبه [c1] *** [/c] أو خان عهدي حبيب كنت أهواهقد أرخص الدمع ينبوع الغناء به [c1] *** [/c] وا لهفتي ونضوب الشيب أغلاهكم روح الدمع عن قلبي وكم غسلت [c1] *** [/c] منه السوابق حزنا في حناياهقالوا تحررت من قيد الملاح فعش [c1] *** [/c] حراً ففي الأسر ذلّ كنت تأباهفقلت يا ليته دامت صرامته [c1] *** [/c] ما كان أرفقه عندي وأحناهبدلت منه بقيد لست أفلته [c1] *** [/c] وكيف أفلت قيدا صاغه اللهأسرى الصبابة أحياء وإن جهدوا [c1] *** [/c] أما المشيب ففي الأموات أسراهوقال:والمال إن لم تدخره محصناً [c1] *** [/c] بالعلم كان نهاية الإملاقوالعلم إن لم تكتنفه شمائل [c1] *** [/c] تعليه كان مطية الإخفاقلا تحسبن العلم ينفع وحده [c1] *** [/c] ما لم يتوج ربه بخلاقمن لي بتربية النساء فإنها [c1] *** [/c] في الشرق علة ذلك الإخفاقالأم مدرسة إذا أعددتها [c1] *** [/c] أعددت شعبا طيب الأعراقالأم روض إن تعهده الحيا [c1] *** [/c] بالري أورق أيما إيراقالأم أستاذ الأساتذة الألى [c1] *** [/c] شغلت مآثرهم مدى الآفاقأنا لا أقول دعوا النساء سوافراً [c1] *** [/c] بين الرجال يجلن في الأسواقيدرجن حيث أردن لا من وازع [c1] *** [/c] يحذرن رقبته ولا من واقييفعلن أفعال الرجال لواهيا [c1] *** [/c] عن واجبات نواعس الأحداقفي دورهن شؤونهن كثيرة [c1] *** [/c] كشؤون رب السيف والمزراقتتشكّل الأزمان في أدوارها [c1] *** [/c] دولاًوهن على الجمود بواقيفتوسطوا في الحالتين وأنصفوا [c1] *** [/c] فالشر في التقييد والإطلاقربوا البنات على الفضيلة إنها [c1] *** [/c] في الموقفين لهنّ خير وثاقوعليكمُ أن تستبين بناتكم [c1] *** [/c] نور الهدى وعلى الحياء الباقيوقال في الصد عن اللغة العربية ونسيان أمرها:رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي [c1] *** [/c] وناديت قومي فاحتسبت حياتي رموني بعقم في الشباب وليتني [c1] *** [/c] عقمت فلم أجزع لقول عداتي ولدت ولما لم أجد لعرائسي [c1] *** [/c] رجالاً أكفاءٍ وأدت بناتي وسعت كتاب الله لفظا و غاية [c1] *** [/c] وما ضقت عن آيٍ بهِ وعظاتِ فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة [c1] *** [/c] وتنسيق أسماءِ لمخترعاتِ أنا البحر في أحشائه الدر كامن [c1] *** [/c] فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي [c1]وفاته[/c]توفي حافظ إبراهيم سنة 1932م في الساعة الخامسة من صباح يوم الخميس، وكان قد أستدعى اثنين من أصحابه لتناول العشاء ولم يشاركهما لمرض أحس به. وبعد مغادرتهما شعر بوطأة المرض فنادى غلامه الذي أسرع لاستدعاء الطبيب وعندما عاد كان حافظ في النزع الأخير. توفي ودفن في مقابر السيدة نفيسة.عندما توفي حافظ كان أحمد شوقي يصطاف في الإسكندرية وبعدما بلغه سكرتيره - أي سكرتير شوقي - بنبأ وفاة حافظ بعد ثلاثة أيام لرغبة سكرتيره في إبعاد الأخبار السيئة عن شوقي ولعلمه بمدى قرب مكانة حافظ منه، شرد شوقي لحظات ثم رفع رأسه وقال أول بيت من مرثيته لحافظ:قد كنت أوثر أن تقول رثائي [c1] *** [/c] يا منصف الموتى من الأحياء.
|
ثقافة
شاعر النيل والشعب حافظ إبراهيم
أخبار متعلقة