البابا يختتم زيارته إلى لبنان بنداء لـ«وقف الهجمات» والقتال

بيروت / 14 أكتوبر / متابعات:
اختتم البابا ليو الرابع عشر، زيارته إلى لبنان، بنداء لـ«وقف الهجمات والأعمال القتالية»، وأوصى بالتفاوض والحوار، على وقع مخاوف محلية من تصعيد إسرائيل لضرباتها بعد عام من حرب دامية مع «حزب الله»، داعياً في الوقت نفسه إلى تجاوز العنف والانقسامات في الشرق الأوسط.
واستهل البابا جولاته في اليوم الثالث والأخير من الزيارة، من «مستشفى دير الصليب»، وأكد أن «ما نشهده في هذا المكان هو عبرة للجميع ولأرضكم، لا بل وللبشرية جمعاء، لا يمكن أن ننسى الضعفاء، ولا يمكننا أن نتصوَّر مجتمعاً يركض بأقصى سرعة وهو متشبث بأوهام الرفاهية الزائدة، متجاهلاً حالات كثيرة من الفقر والهشاشة».
ثم انتقل إلى موقع الانفجار في مرفأ بيروت، حيث وقف في صلاة صامتة إجلالاً لأرواح ضحايا الانفجار، وصافح عدداً من أهالي الضحايا الذين استقبلوه بالدموع، حاملين صور أحبائهم، واستمع مطولاً إلى شهاداتهم ومعاناتهم. وجثا أمام طفل صغير حمل صورة والده في مشهد مؤثر. كما قدَّم هدايا رمزية للأطفال الذين حضروا برفقة ذويهم. وقال البابا قبيل مغادرته بيروت، إنه يحمل معه «ألم وعطش» عائلات ضحايا الانفجار الذي «دمّر...حياة الكثيرين».
وفي الحدث الشعبي الأبرز خلال الزيارة، ترأَّس البابا، قدّاساً في واجهة بيروت البحرية بمشاركة نحو 150 ألف شخص، منهم مَن جاء من سوريا والعراق والأردن، وحضره أبرز المسؤولين في الدولة اللبنانية.
وقال البابا في كلمة في ختام القداس: «يحتاج الشرق الأوسط إلى مقاربات جديدة لرفض عقلية الانتقام والعنف، وللتغلب على الانقسامات السياسية والاجتماعية والدينية، ولفتح فصول جديدة باسم المصالحة والسلام».
وتوجَّه إلى مسيحيي المشرق، الذين تضاءلت أعدادهم تباعاً خلال العقدين الماضيين على وقع التوترات والنزاعات في المنطقة. وقال: «كونوا فاعلي سلام... تحلوا بالشجاعة».
وفي عظة ألقاها خلال القداس، أشار البابا إلى «مشكلات كثيرة» يعاني منها البلد، معدداً من بينها انفجار مرفأ بيروت المروّع عام 2020، وعدم الاستقرار السياسي، والأزمة الاقتصادية، و«عنف وصراعات أعادت إحياء مخاوف قديمة». وقال: «علينا جميعاً أن نوحِّد جهودنا كي تستعيد هذه الأرض بهاءها».
وتابع: «ليس أمامنا إلا طريق واحد لتحقيق ذلك: أن ننزع السلاح من قلوبنا، ونسقط دروع انغلاقاتنا العرقية والسياسية، ونفتح انتماءاتنا الدينية على اللقاءات المتبادلة، ونوقظ في داخلنا حلم لبنان الموحّد، حيث ينتصر السلام والعدل، ويمكن للجميع فيه أن يعترف ببعضهم بعضاً، إخوة وأخوات».
وفي كلمته الأخيرة من «مطار رفيق الحريري الدولي» أمام كبار المسؤولين، قبيل إقلاع طائرته إلى روما، شكر البابا، اللبنانيين على الأيام الـ3 التي قضاها في ربوع بلدهم، حيث استُقبل بحفاوة بالغة، وانتظر الآلاف في الشوارع مرور موكبه، ولو تحت مطر غزير.
وقال البابا: «المغادرة أصعب من الوصول كنا معاً، وفي لبنان أن نكون معاً أمرٌ مُعدٍ. وجدتُ هنا شعباً لا يحبُّ العزلة، بل اللقاء، فإن كان الوصول يعني الدخول برفق في ثقافتكم، فإنَّ مغادرة هذه الأرض تعني أن أحملكم في قلبي». وتابع: «نحن لا نفترق إذن، بل بعدما التقينا سنمضي قدماً معاً. ونأمل أن نُشرك في هذه الروح من الأخوة والالتزام بالسلام، كل الشرق الأوسط، حتى الذين يعدّون أنفسهم اليوم أعداء. لذا أشكر لكم الأيام التي قضيتها بينكم، ويسرني أنني تمكَّنت من تحقيق رغبة سَلَفِي الحبيب، البابا فرنسيس، الذي كان يتمنى كثيراً أن يكون هنا».
وقال البابا: «أحيي جميع مناطق لبنان التي لم أتمكَّن من زيارتها: طرابلس والشمال، البقاع والجنوب الذي يعيش بصورة خاصة حالة من الصراع وعدم الاستقرار. أعانق الجميع وأرسل إلى الجميع أمانيَّ بالسلام». وأضاف: «أطلق أيضاً نداءً من كلّ قلبي: لتتوقف الهجمات والأعمال العدائية. ولا يظنّ أحد بعد الآن أن القتال المسلح يجلب أي فائدة. فالأسلحة تقتل، أما التفاوض والوساطة والحوار فتبني. لنختر جميعاً السلام وليكن السلام طريقنا، وليس هدفاً فقط».
وكان رؤساء الجمهورية جوزيف عون، والبرلمان نبيه بري، والحكومة نواف سلام، شاركوا في مراسم الوداع الرسمي للبابا في «مطار رفيق الحريري الدولي».
وفي كلمته الوداعية قال الرئيس اللبناني للبابا ليو: «خلال الأيام الماضية حملتم إلى لبنان كلمات رجاء وأمل جئتم إلى لبنان حاملين رسالة سلام، وداعين إلى المصالحة»، وتابع: «سمعنا رسالتكم، وسنستمر في تجسيدها».
وأضاف عون: «إذ نودّعكم، لا نودّع ضيفاً كريماً فحسب، بل نودّع أباً حمل إلينا طمأنينة، وذكّرنا بأن العالم لم ينسَ لبنان، وأن هناك مَن يصلّي لأجله ويعمل من أجل السلام».
