بعد اشتباكات عنيفة سبقها قصف مدفعي وغارات جوية باستخدام الطائرات المسيرة



الخرطوم / 14 أكتوبر / متابعات:
في وقت يشهد فيه إقليم كردفان تحركات ميدانية متسارعة وتبدلاً مستمراً في خريطة السيطرة على الأرض تمكن الجيش السوداني أمس السبت من استعادة سيطرته على بلدتي كازقيل وأم دم حاج أحمد بولاية شمال كردفان بعد اشتباكات عنيفة مع قوات "الدعم السريع"، مما أجبرها على التراجع إلى منطقة الحمادي بولاية جنوب كردفان.
وبحسب مصادر عسكرية فإن الجيش سبق هذه الاشتباكات بقصف مدفعي وغارات جوية باستخدام الطائرات المسيرة على مواقع "الدعم السريع" في مناطق عدة بإقليم كردفان، مما خلف خسائر كبيرة وسط صفوف الأخيرة.
وبث أفراد من الجيش مقاطع فيديو من داخل مواقع استراتيجية في بلدتي كازقيل وأم دم حاج أحمد وهم يؤكدون سيطرتهم التامة على البلدتين ومواصلة إلحاق الهزيمة بـ"الدعم السريع" في بقية مناطق الإقليم.
وأشارت المصادر إلى أن الجيش سيعمل على تأمين البلدتين ونشر ارتكازات دفاعية تحسباً لأي هجوم محتمل، فضلاً عن مواصلة تقدمه وصولاً إلى مدينتي الحمادي والدبيبات بجنوب كردفان، تمهيداً لفك الحصار البري الذي تفرضه "الدعم السريع" والحركة الشعبية – شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو على الدلنج وكادوقلي الواقعتين في الولاية ذاتها.
واعتبر مراقبون عسكريون سيطرة الجيش على كازقيل وأم دم حاج أحمد بمثابة تأمين لمدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان من أي هجوم بري، إضافة إلى أنه من شأنه تسهيل استعادة مدينة بارا الاستراتيجية، وكذلك تخفيف الضغط على الفرقة 22 مشاة ببابنوسة التي كانت محل استهداف طوال الأيام الماضية من قبل قوات "الدعم السريع" من خلال هجمات مكثفة بالمدفعية الثقيلة والمسيرات.
وسيطرت "الدعم السريع" على كازقيل في الـ25 من سبتمبر الماضي، فيما أحكمت سيطرتها على أم دم حاج أحمد في الـ27 من أكتوبر الماضي.
ونزح عشرات الآلاف من مواطني ولاية شمال كردفان مع احتدام المعارك في الآونة الأخيرة في أعقاب سيطرة قوات "الدعم السريع" على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
وفي ظل هذه الأوضاع أعلن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الجمعة عن التعبئة العامة من منطقة السريحة بولاية الجزيرة، ودعا كل من يستطيع حمل السلاح إلى الانضمام للقتال إلى جانب الجيش للقضاء على ما وصفها بـ"الميليشيات المتمردة".
في المحور نفسه هاجمت طائرة مسيرة استراتيجية تتبع لقوات "الدعم السريع" أمس السبت محطة بشائر لتكرير النفط في منطقة الجبلين بولاية النيل الأبيض.
ووفقاً لشهود فإن الهجوم تسبب في أضرار في المنشأة الحيوية ومقتل أحد المهندسين وإصابة آخرين.
ويأتي هذا الهجوم بعد يومين من قصف مماثل على حقل هجليج النفطي بولاية جنوب كردفان، مما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة آخرين

وأغلق السودان في سبتمبر الماضي حقل هجليج النفطي الذي يضم نحو 70 بئراً تنتج 20 ألف برميل يومياً عقب هجمات متكررة شنتها "الدعم السريع" على المنشآت النفطية الحيوية في المنطقة.
وتضم هجليج التي تقع على طول الحدود الجنوبية للبلاد منشأة المعالجة الرئيسة لنفط جنوب السودان، والذي يمثل غالبية إيرادات حكومتها.
وخرجت نحو 10 حقول بولاية غرب كردفان من دائرة الإنتاج في حين تعرضت الآبار النفطية للتخريب والتوقف عن العمل.
في محور دارفور تواصلت حركة نزوح المواطنين من مدينة الفاشر والمناطق المحيطة بها فراراً من تردي الأوضاع وانتهاكات قوات "الدعم السريع"، حيث تعيش المدينة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في البلاد بعدما ظلت تحت الحصار لأكثر من 560 يوماً، وبحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن أكثر من 100 ألف شخص نزحوا من الفاشر ومحيطها خلال أسبوعين فقط من سيطرة الأخيرة على المدينة.
في وقت واصل فيه وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر زيارته الميدانية لدارفور لليوم الثالث، إذ وصل إلى طويلة بشمال دارفور ووقف ميدانياً على أوضاع النازحين الفارين من الفاشر.
وأشار المسؤول الأممي في منشور على منصة "إكس" إلى أنه قابل في بلدة طويلة أمهات ومقدمي الرعاية لأطفال يعانون سوء التغذية، وأضاف "لقد أخفق العالم في حمايتهم، ويجب ألا نخفق في ذلك مرة أخرى".
وأوضح فليتشر في تصريحات صحافية أن صور الأقمار الاصطناعية وشهادات الفارين تكشف عن روايات مروعة تشمل الاغتصاب والتعذيب والابتزاز في محيط الفاشر، مؤكداً أن الوضع مرعب، وأن الأزمة تتجاوز قدرة العاملين الإنسانيين على الاستجابة. ولفت إلى أن الأمم المتحدة تعمل على إرسال فريق تقييم إلى الفاشر بضمانات أمنية كاملة، وتحاول إجلاء الجرحى وتأمين ممرات آمنة للمدنيين
الراغبين في المغادرة. ونوه بأن الأولوية تصب في بناء صورة أوضح للحاجات داخل المدينة التي يصعب الوصول إليها.
وأصبحت طويلة التي كانت قبل اندلاع الحرب بلدة نائية تحيط بها قرى تفتقر إلى الخدمات مأوى لـ655 ألف نازح معظمهم فروا من الفاشر، إذ يقيم 21 في المئة منهم في المخيمات، بينما استقر 74 في المئة في مستوطنات عشوائية وأماكن تجمع مفتوحة.
من جانبه أبدى ممثل نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي كارل سكاو غضبه الشديد إزاء الفظائع التي شهدتها مدينة الفاشر، مؤكداً أن ما حدث كان متوقعاً، وكان يجب منعه مسبقاً.

وقال سكاو في منشور له عبر منصة "إكس"، "هناك حاجة ملحة وعاجلة إلى اتخاذ خطوات جادة لمنع تكرار مثل هذه الكوارث في مناطق أخرى من السودان، بما في ذلك مدينة كادوقلي التي تعيش أوضاعاً إنسانية معقدة تحت الحصار". وأكد ضرورة إنهاء الحصار المفروض فوراً لتمكين وكالات الإغاثة من الوصول إلى المتضررين، مشيراً إلى أن استمرار العزلة يسرع وتيرة انتشار الجوع ويهدد بمجاعة واسعة إذا لم تتم معالجة الوضع على وجه السرعة.
وتأتي هذه التحذيرات في وقت تتفاقم فيه الأزمة الإنسانية في إقليم دارفور وتنتشر إلى مناطق أخرى من البلاد وسط دعوات دولية متزايدة لوقف الهجمات وضمان حماية المدنيين.
