يشهد السوق النقدي في مناطق الشرعية استقرارا قسريا للعملة الوطنية، إذ انخفض سعر صرف الدولار من حدود 3000 ريال إلى ما دون 1615 ريالًا، واستعادت العملة الوطنية ما نسبته 47 ٪ من قيمتها، في وقت لم يطرأ أي تحسن ملموس على المؤشرات الاقتصادية أو صاحب ذلك تدفق للعملات الأجنبية. هذا التغير الحاد والسريع لا يمكن تفسيره إلا باعتباره تحسنًا مصطنعًا ومؤقتًا ناجمًا عن تدخلات محدودة في السوق أكثر منه نتيجة إصلاحات اقتصادية حقيقية.
فمن غير المنطقي أن تتحسن قيمة العملة الوطنية بهذه السرعة دون أن يرافق ذلك ارتفاع في الاحتياطيات الخارجية، أو زيادة في الصادرات، أو تحسن في الإيرادات الحكومية. المؤشرات جميعها تؤكد أن ما يحدث هو مجرد انعكاس لسياسة نقدية مضطربة تعتمد على تقييد السيولة والتحكم بالعرض النقدي، لا على إصلاح هيكلي في الاقتصاد.
الأخطر من ذلك، أن السوق يشهد حالة انقسام وفوضى في إدارة النقد، حيث تتعدد أسعار المواد الاستهلاكية وبشكل حاد بين المحافظات، وتُغلق بعض منشآت الصرافة الصغيرة تحت مبررات “الرقابة”، فيما تستمر المؤسسات الكبرى في التحكم بحركة الدولار بلا رقابة فعلية. هذا الخلل في العدالة المصرفية يُضعف الثقة العامة بالقطاع المالي ويزيد من هشاشة السوق.
التحسن الحالي في سعر الريال قد يبدو مريحًا ظاهريًا، لكنه في جوهره علامة خطر، لأنه غير مستند إلى قاعدة اقتصادية متينة. ومع غياب المرتبات عن مئات الآلاف من الموظفين لأشهر متتالية، وركود النشاط التجاري، وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين، فإن أي ضغط جديد في الطلب على الدولار قد يعيد العملة إلى مسار الانهيار بوتيرة أسرع مما مضى.
إن مؤشرات السوق النقدية اليوم تنذر بأننا نقف على حافة أزمة جديدة، ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة لإعادة ضبط السياسة النقدية، وتفعيل أدواتها الحقيقية، وإعادة الثقة بين المواطن والمؤسسات المالية. المطلوب ليس التحكم المؤقت بالسعر، بل بناء استقرار مستدام يقوم على إصلاحات واقعية وتنسيق فعلي بين السياسة النقدية والمالية.
فالتحسن الرقمي لا يُغني عن الحقيقة الاقتصادية، والعملة التي تستقر بالإعلام لا تصمد في السوق.
