- تقول الحكاية أن رجلاً فكر في بناء علاقة حسنة مع أحد البنوك التجارية فكان أول قرض استلمه من البنك مخصص لرشوة العمال والمدراء فيه (!) وبعدها أنهالت القروض على الرجل حتى غرق في الديون، وحالما فكر البنك في مقاضاة العميل أخرج لهم تسجيلات مصورة - بطريقة ما - تثبت تلقيهم الرشوة. !- شيء كهذا لم يعد نكتة بل واقعاً وكلما أراد رجل - أو امرأة - التبرؤ من تهمة الخيانة ، أثبت بطريقة معاكسة خيانة الطرف الآخر، وهكذا يكون الشعار هو: استرني أسترك ، والفضيحة تجمع. - ليس في عالم البنوك والمعاملات أو التعاملات المالية والتجارية يحدث هذا إنما أيضاً في عوالم كثيرة لا آخر لها ، وإذا ذهبت الأمانة من الناس وحلت الأطماع وتحكمت الانتهازية خربت الحياة وتحولت إلى غابة لايحكمها قانون سوى قانون الغلبة للأقوى .. أو الأشد دهاءاً ومكراً . - عالم السياسة هو الآخر لم يسلم من هكذا خبطات وصفقات وصفعات ، وتقريباً فإن البيع والشراء بات هو اللغة والمنطق والحاكم في كل تفاصيل المشهد، وإذا أراد أحدهم سلوك أقصر الطرق المؤدية إلى الثراء والنعمة فلن يعدم حيلة (سياسية) تجعل المرء قادراً على تناول الأرباح من باب مناولة المواقف والمراهنة بها في سوق المال ومتجر السياسة.- هناك نماذج صارخة في هذا الباب .. ولايمكن الجزم بخلو المجتمع السياسي من نماذج أخرى شريفة ونزيهة ، إنما هؤلاء كالإستثناء في محيط قاعدة استهلكت الغالبية وأهلكت الأغلب وبات (النظيف) مضرب مثل كالذي يتشهد بالعنقاء أو يبحث عنها وهو لايعرف لها وجوداً إلا في الأمثال التعجزية والتقريبية. - وحيث اختلطت التجارة بالسياسة والمواقف بالأرصدة وتحولت الحياة إلى متجر واسع فيهمن السلع والبضائع بقدر ما فيه من الضمائر والموافق القابلة للتداول والمضاربة ، فان القانون الوحيد القابل للعمل والنفاذ في هذه الأحوال هو قانون (هب لي) و(أندي لك)! - العرض والطلب انتقل من دفاتر التجار والصفقات السلعية إلى سجلات وأنشطة أخرى باتت على صلة وثيقة بالأرقام والأرصدة والدفع المسبق - أو اللاحق ، ولايحتاج الأمر إلى مغامرة شاقة في اكتشاف خبايا وخفايا عوالم التجارة الحديثة والتجار الجدد. الحزبيون يعرفون - وقد لايعترفون بذلك - أن الحياة فرص والذكي الحذق هو من ينتهز الفرصة فيظل يسوق الناس إلى معاناة غبار الشوارع والساحات وشمس الظهيرة، في مسيرات وفعاليات مختلفة ليعود هؤلاء مدوخين حارقين ، ويعود أولئك لإبرام الصفقة ومزايدة الثمن! - أردأ التجارات هي هذه وأسوأ الخيانات أن يخون المرء نفسه ومشايعيه وأن يتخذ الوطن وقضاياه شيكاً مفتوحاً لمضاعفة الثمن والرقم من قبل دافعين ومانحين لديهم الرغبة في الدفع والشراء كلهم يبيع .. كلهم يقبض.. وكلنا سلعة إذا أرد قم الأمانة والديانة. - ها هنا سوق مفتوحة على العملات من كل نوع .. وعلى العمالات من كل شكل .. وعلى أعمال ومشاغل كانت رخيصة ومهينة إلى وقت قريب ، حتى جاء من يزرعون البحر وبكتبون على صفحات الريح أناشيد النضال وأبيات الشعر ويهبونها طعاماً للجوعى ، ولا يعلم الجوعى أن طعماً ألقي إليهم ، ليلقى بهم لاحقاً على قارعة الطريق دونما تحسر أو أسف. - ليس في وسعنا التنازل عن بقية من عقل ، صادر أغلبه أو معظمة رجال الدين والسياسة والتجارة ولذلك علينا أن نقبض على أنفسنا وأن لاندعها تتوه أو تضيع في غابة مليئة بالذئاب والعقارب والحيات.- علينا أن نصون وجوهنا من أن تلفحها نار الخيانة وصفقات المتاجرين الذين جربناهم .. واكتوينا بنيرانهم أمداً طويلاً.
سوق .. مفتوحة !!
أخبار متعلقة