معاناة المواطنين في عدن بين غلاء القوت وغياب الخدمات



- معاناة الأسر تتضاعف مع ارتفاع سعر الصرف
- عدن تقف اليوم أمام تحديات اقتصادية كبيرة
- ارتفاع سعر السلع الغذائية تجاوز راتب الموظف البسيط بأضعاف


عدن/14 أكتوبر/ خاص:
شهدت العاصمة المؤقتة عدن في الآونة الأخيرة موجة من الغلاء المعيشي الذي أثقل كاهل المواطنين، وأدخلهم في دوامة من المعاناة اليومية. فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية وجميع المنتجات، ومنها ألواح الطاقة البديلة والمنظومات الشمسية للكهرباء، التي ارتفع سعرها بشكل جنوني بسبب تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية «الدولار الأمريكي والريال السعودي».
أصبح تأمين لقمة العيش يمثل تحديًا كبيرًا للمواطن البسيط، في ظل تأخر صرف الرواتب وتدنيها الذي يجعلها لا تكفي لتوفير متطلبات الأسرة الواحدة. وقد أثرت انقطاعات الكهرباء وارتفاع درجات الحرارة، خاصة ونحن في فصل الصيف الحار، على الأسر التي لديها مرضى أجروا عمليات جراحية خطيرة، ويحتاجون بعد خروجهم من المستشفى وعودتهم إلى منازلهم لوجود الكهرباء لتشغيل المكيفات من أجل التئام الجراح. فأين هي الإنسانية؟ يضطرون لاستئجار غرفة في فندق متواضع للحصول على بعض الراحة والبرودة حتى تلتئم جروح عملياتهم.
يعيش سكان عدن حالة من السخط والاستياء والغضب لما يحدث في مدينتهم، دون أي تحرك من الجهات المعنية لمعالجة هذه الأوضاع الاقتصادية المأساوية وغياب دورها في توفير الخدمات الضرورية للمواطن، الذي أصبح يسعى لتوفيرها بشتى الطرق.
حقيقة أصبحت اليوم مدينة عدن تغرق في جحيم لا يرحم عنوانه «الموت البطيء»، «ظلام لا ينتهي»، «الجوع»، «الخوف»، «الهروب»، «الاغتراب».
كان لابد لنا أن نسلط الضوء على مدى معاناة المواطن في وطنه المجروح، قمنا بهذه اللقاءات وإليكم ما تم نقله على ألسنة المواطنين:
تحديات اقتصادية كبيرة
المحامية سحر أحمد هزاع تقول : “يواجه المواطنون في عدن تحديات اقتصادية كبيرة بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والبترول والغلاء المعيشي وعدم انتظام صرف الرواتب. وتفاقمت هذه المشاكل بسبب انقطاعات الكهرباء المتكررة ولساعات طويلة تفوق المعقول، في ظل ارتفاع الحرارة الشديد في عدن.”
وأضافت: «انقطاع الكهرباء له تأثير كبير على المرضى ذوي الأمراض المزمنة الذين يجرون عمليات جراحية ويحتاجون إلى رعاية خاصة بعد العملية، خاصة إذا كانت جروحهم تحتاج إلى البرودة للالتئام، إضافة إلى انتشار الحميات».
مشيرة إلى أن انقطاعات الكهرباء بشكل كبير ولساعات طويلة، أدت إلى إقبال المواطنين على شراء المنظومات الشمسية كبديل للكهرباء، ولكن هذا متاح فقط لمن لديهم القدرة على شرائها، أما المواطن البسيط فلا يستطيع ذلك.
وفي ختام حديثها قالت: «في ظل الظروف المعيشية الصعبة والمستعصية لعدم وجود قوت يومهم بسبب الغلاء المعيشي وارتفاع الأسعار، أصبحت الناس لا تستطيع توفير أبسط الأشياء من مستلزمات حياتهم اليومية من مأكل ومشرب. لقد فاض الكيل عند الناس، فخرجوا للمطالبة بحقوقهم التي تلزم الحكومة والقائمون عليها بتوفيرها وسرعة الاستجابة لمطالب المواطنين، ووضع المعالجات السريعة في توفير الرواتب بانتظام وعدم تأخرها، وتوفير الطاقة البديلة، ودعم السلع الأساسية، وتنظيم استيراد الوقود».
مدينة تُعرض على شاشة الواقع بلونين
من جانبها تستعرض الناشطة المجتمعية آسيا محمد نجيب قائلة “عدن أصبحت كأفلام الأبيض والأسود، أصبحت اليوم مدينة تُعرض على شاشة الواقع بلونين فقط: الظلام والضباب. أسعار المواد الغذائية ترتفع يومًا بعد يوم، والعملة المحلية في انهيار مستمر أمام العملات الأجنبية. ومع كل ارتفاع في سعر الصرف، تتضاعف معاناة الأسر، ويزداد الغلاء، ويضيق هامش الحياة”.
وأضافت: «الغاز والبترول باتا حلمًا مكلفًا، في بلد لا يستورد إلا بتكلفة باهظة تثقل كاهل المواطن المغلوب. الكهرباء تنقطع لساعات طويلة، والمولدات لا تُسعف الجميع، وتزداد أهمية الطاقة الشمسية يومًا بعد يوم، لكنها للأسف تحولت إلى تجارة يسيطر عليها قلة، تُباع بأسعار تفوق قدرة الغالبية، دون رقابة أو رحمة على المواطن الذي بالكاد يستطيع شراء كيس دقيق، ولا يمكنه أن يشتري ضوءًا ينير له ليلة”.
منوها بالقول : “في ظل هذا الواقع الاقتصادي والمعيشي الصعب، لا بد من تحرك جماعي ومسؤول من الجميع. وعلى الحكومة أن تدعم الطاقة البديلة وتوفرها بأسعار مدعومة. وعلى المجتمع الدولي أن يعيد النظر في حجم دعمه للبلد، كما يجب على التجار أن يتحلوا بالمسؤولية الاجتماعية، فليس من الإنسانية أن تُباع الطاقة الشمسية بأسعار خيالية في بلد يعاني من الظلام والجوع، ومن انهيار العملة وغلاء المعيشة. المواطن يستحق أن يعيش بكرامة، وأن يحصل على غذائه وطاقته الكهربائية دون أن يُرهق أو يُذل.”
الارتفاع تجاوز راتب الموظف البسيط
بدورها تقول أم جميل: «تواجه اليمن، وبالأخص محافظة عدن، ارتفاعًا جنونيًا ومستمرًا في أسعار المواد الغذائية الأساسية، والذي يزيد من تفاقم معاناة المواطنين، وخاصة الأسر الفقيرة التي لم تعد قادرة على مجاراة هذه الارتفاعات الجنونية».
وأضافت قائلة : “للأسف، فإن تزايد ارتفاع سعر السلع الغذائية فاق وتجاوز راتب الموظف البسيط الذي لم يعد يستطيع مجاراة هذا الارتفاع الجنوني، وبالتالي لم يعد يستطيع شراء احتياجاته هو وأسرته.” مشيرة إلى أنه إذا بحثنا في أسباب هذا الارتفاع لوجدنا أن سببه يعود بدرجة رئيسية إلى التقلبات والارتفاع في سعر صرف العملات الأجنبية، الأمر الذي يضاعف من معاناة المواطنين.
وتابعت قائلة: “لا بد أن تكون هناك حلول للحد من هذه الارتفاعات وللحد من معاناة المواطن البسيط، منها مثلاً رفع رواتب الموظفين، مع أني أرى في الوقت نفسه أنه مهما ارتفعت الأجور والرواتب للموظفين فلن تتناسب وتجاري الارتفاع الجنوني للسلع الغذائية”.
وأضافت: «إن الضرائب المفروضة على البضائع لا بد أن تُخفض حتى ينعكس ذلك على بيعها في السوق بأسعار مناسبة، والاستفادة من كل موارد البلاد لصالح المواطن».
أين الإنسانية؟
أبو يوسف (موظف) ينوه في حديثه الى «إن الظروف المعيشية التي تعيشها محافظة عدن ظروف مأساوية من تدهور العملة الأجنبية وارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية (الغاز والبترول)، مع ارتفاع الأسعار وقلة الرواتب التي نتقاضاها».
وأضاف: «أنا أعمل بأكثر من عمل، ومن خلال الأعمال التي أقوم بها أستطيع مواجهة هذا الغلاء المعيشي وبصعوبة، وتحمل أعباء تكاليف الدراسة لبناتي وأولادي. فمثلاً، بنتاي الاثنتان مصروفهما مع المواصلات إلى الجامعة 3500 ريال لكل واحدة منهما، إضافة إلى المصاريف اليومية للأسرة، وعند المرض الأدوية أصبحت غالية الثمن».
وقال: «تأثير انقطاعات الكهرباء على الأسر التي لديها مرضى تم إجراء عمليات لهم، فعند خروجهم من المستشفى بعمليات خطيرة وعودتهم إلى منازلهم يحتاجون إلى وجود الكهرباء لتشغيل المكيفات من أجل التئام جراح العملية. فأين هي الإنسانية؟ يلجؤون لاستئجار غرفة بفندق متواضع للحصول على بعض الراحة والبرودة لكي تلتئم جروح عملياتهم».
ويستطرد في حديثه : “في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، والخدمات صعبة المنال، أصبحت مدينة عدن تبدو وكأنها تغرق في جحيم لا يرحم، عنوانه “الموت البطيء”، “ظلام لا ينتهي”، “الجوع”، «الخوف»، «الهروب»، «الاغتراب».
ونناشد الجهات المعنية في الحكومة والسلطة المحلية والمنظمات الدولية والأشقاء في دول الخليج توفير الخدمات (الكهرباء) ودعم خزينة الدولة بمنحة مالية لإنقاذ الاقتصاد الوطني من الانهيار، لأن الدولة تنهار والشعب في وضع عصيب جدًا، ويجب عليهم التحرك بشكل سريع للإنقاذ.
رفع رواتب الموظفين والمتعاقدين
أم أحمد ربة بيت تدلي بدلوها حول الوضع المعيشي واحتياجات الاسرة : “ الغلاء المعيشي وارتفاع أسعار المواد الغذائية سببا لنا أزمة في كل أسرة، سببت لنا هذه الأزمة مشكلة في توفير احتياجات الأسرة من الغذاء والدواء، في ظل انقطاعات الكهرباء والحر الشديد وغلاء أسعار البطاريات والأجهزة الكهربائية التي يبيعها التجار المستوردون من الخارج، حيث يقولون: “أنا أشتري بالدولار وأبيع بسعر الدولار، وتدهور العملة الأجنبية ببلادنا صعب الحياة علينا كثيرًا، كل شيء يُحسب علينا بالدولار والسعودي، حتى شراء المواد الغذائية يقول لي صاحب البقالة اليوم ارتفع السعودي ووصل سعر كيس الأرز عشرة كيلو، النوع العادي وليس الفخم، يبلغ سعره 27 ألف ريال يمني، كنت آخذها بـ 8500 ريال يمني».
وأضافت: «ابني يعمل بأجر يومي، راتبه بسيط لا يكفي لمتطلبات الأسرة. وعلى المرفق الحكومي توظيف الشباب، إلى متى أجر يومي؟ ابني ذو الـ15عامًا يعمل في مرفق حكومي متعاقد. يجب أن يسعوا إلى رفع رواتب الموظفين والمتعاقدين والعمال من أجل مواجهة الغلاء المعيشي”.
غياب الرقابة الحكومية
أبو محمد مواطن ضاقت به السبل ويبحث عن حلول حيث يقول : “للأسف، الناس ضاقت والوضع إلى الأسوأ. إلى متى نتحمل؟ ما هي الحلول؟ لماذا الحكومة ساكتة على هذا الوضع؟ ماذا يعمل المواطن؟ كيف يواجه هذا الوضع المأساوي بمعنى الكلمة؟ في ظل غياب الرقابة الحكومية لرفع التجار أسعار المواد الغذائية بشكل كبير دون مراعاة وضع المواطن.”
وأكد على أنه يجب على الحكومة أن تسعى لرفع رواتب الموظفين لمواجهة الغلاء المعيشي وارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية، حيث صار راتب الموظف لا يساوي 25 دولارًا، بسبب غياب الحلول الجذرية للأزمة الاقتصادية المتفاقمة بشكل كبير.
وأشار إلى أن سبب تأخر صرف الرواتب المعتمدة شهريًا، أو كل شهرين، كان بتحويل الرواتب إلى بند المنح، وهذا أسهم بشكل كبير في تدهور وضع المواطن وعدم مقدرته على تحمل أعباء الحياة.
ثقل الحمل على كاهل المواطن
أم خالد (موظفة) حكومية تتحدث عن المصاريف اليومية في ظل الغلاء : “لا أستطيع مواجهة الغلاء المعيشي وارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية التي أثقلت الحمل على كاهل المواطن البسيط، لم تعد الرواتب تغطي نصف الاحتياجات الأساسية للأسرة”.
وأضافت: «نحن متحملون الغلاء المعيشي وحاولنا مواجهته بتقليص وجبات الطعام اليومية والابتعاد عن شراء الكماليات، ولكن تدهور خدمة الكهرباء في ظل الصيف الحار وشديد الرطوبة كيف نواجهه؟ ونحن لا نستطيع شراء المنظومة الشمسية التي يبلغ سعرها 4000 ريال سعودي. لماذا علينا توفير الكهرباء؟».
ونناشد الجهات المعنية (الحكومة، السلطة المحلية، المنظمات الدولية، ودول الخليج) بالتدخل العاجل ووضع حد للتدهور الاقتصادي، وتوفير الخدمات الأساسية وهي خدمة الكهرباء. نحن في صيف حار جدًا ولا بد من توفير الكهرباء. الناس تموت من الحرارة، خاصة كبار السن الذين يعانون من الأمراض المزمنة كالضغط والسكر.
الخاتمة
في ظل هذا الواقع الاقتصادي والمعيشي الصعب، لا بد من تحرك جماعي ومسؤول من الجميع. وعلى الحكومة أن تدعم الطاقة البديلة وتوفرها بأسعار مدعومة. وعلى المجتمع الدولي أن يعيد النظر في حجم دعمه للبلد، كما يجب على التجار أن يتحلوا بالمسؤولية الاجتماعية، فليس من الإنسانية أن تُباع الطاقة الشمسية بأسعار خيالية في بلد يعاني من الظلام والجوع، ومن انهيار العملة وغلاء المعيشة. المواطن يستحق أن يعيش بكرامة، وأن يحصل على غذائه وطاقته الكهربائية دون أن يُرهق أو يُذل.