في بلد أنهكته الحروب والصراعات ، وكسرت ظهره الأزمات، يقف آلاف الشباب اليمنيين عند أبواب مغلقة… أبواب التعليم، وأبواب السفر، وأبواب الحلم.
في اليمن، لا يحتاج الشاب إلى طموح فقط، بل إلى “معجزة” ليصل إلى حيث يصل غيره طبيعيًا في بلدان أخرى.
"حلمٌ يبدأ من الصفر… ويُحاصر عند كل خطوة"
عند كل زاوية، يواجه الشاب اليمني البسيط – ذاك الذي لا يملك واسطة، ولا ينتمي إلى فئة، ولا يركب موجة نفوذ – عراقيل تبدأ من لحظة التفكير بالخروج من البلاد.
هل تريد منحة دراسية؟ غالبًا ستُفاجأ بأن السن قد تجاوز الحد، أو أن الشروط لا تراعي واقع بلدك، أو أن فرص القبول تمر عبر الوساطات وليس الكفاءة، وإذا لم تكن لديك واسطة، فلا تنتظر شيئًا.
هل حصلت على قبول جامعي؟ تهانينا، لكن ما زال أمامك حاجز الفيزا، وحاجز المقابلة، وحاجز البنوك، وحاجز الحظ.
بل إن أبسط المعاملات التي يفترض أن تُنجز داخل بلدك أصبحت مستحيلة، لأن اليمن بلا سفارات.
لا يوجد تمثيل دبلوماسي لمعظم الدول، ما يعني أن أي طلب تأشيرة أو تصديق أوراق يتطلب السفر المسبق إلى بلد آخر، وهذا وحده كافٍ لإسقاط الحلم بالنسبة لأي شاب لا يملك الكثير من المال.
"واقع داخلي خانق… لا تعليم ولا عمل ولا أُفق"
في الداخل، المشهد لا يقل إحباطًا الجامعات تئن من نقص الإمكانيات، ومن سوء المناهج الدراسية، والطلبة يفترشون الأرض في قاعات بلا تهوية أو مقاعد.
الدراسة بلا كهرباء، بلا إنترنت، بلا أدوات، وحتى بلا أمل في أن تلقى وظيفة لاحقًا.
الكهرباء، هذا الأساس البديهي في حياة الشعوب، تحوّلت في اليمن إلى ترف نادر.
تنقطع بالساعات، وأحيانًا بالأيام، وتعود لتُعلن فقط أنها ما زالت “مقطوعة”.
لا يمكن لطالب أن يذاكر بانتظام، ولا لعامل أن ينجز مشروعًا، ولا لمريض أن يستخدم جهازًا منزليًا يعتمد على الكهرباء.
إنها أزمة خانقة تسرق من الإنسان طاقته الذهنية والنفسية، وتحاصره في دائرة العجز، حتى وهو داخل منزله.
أما الخريجون، فحملة شهاداتهم يتحولون إلى عاطلين، أو سائقين مؤقتين، أو باعة متجولين، رغم قدراتهم.
الرواتب في اليمن تكاد تكون بلا معنى لا تكفي لتأمين طعام أسبوع، ناهيك عن بناء مستقبل أو ادخار لأي فرصة قادمة.
والأخطر من ذلك، أن البلد لا يقدّر ولا يعطي أي قيمة للشخص المتعلم، أو الناجح، أو الذكي.
بل العكس تمامًا:
تُمنح المناصب والفرص لمن لا يملكون معرفة، ولا خبرة، ولا كفاءة… فقط لأنهم تابعون، أو مدعومون.
أي شخص يحاول أن يغيّر أو يطوّر أو يرفع من مستوى الوعي يُقابل بالقمع، والتهميش، والتكسير المعنوي.
وكأن التغيير تهمة، وكأن العلم خصومة.
من لم يسافر بعد، عالق في دورة عبثية:
• يدرس ليعمل… فلا يجد عملًا.
• يحاول السفر… فلا يجد بابًا.
• يحاول التطوير الذاتي… لكن الإنترنت مقطوع، أو رسوم الدورات التعليمية بالدولار.
الشاب البسيط، بلا مال ولا ظهر، كمن يُبحر في سفينة مثقوبة، وسط بحر من الغرقى.
"مقارنة ظالمة… لا أحد ينظر لليمني كإنسان في أزمة"
المؤلم أن العالم لا يعامل الشاب اليمني كما يعامل نظراءه من دول الصراع الأخرى.
لا إعفاءات، لا تسهيلات، لا منح استثنائية، لا أولويات.
وإن وُجدت، فهي غالبًا تذهب لمن يعرف من أين تؤكل الكتف.
أما من لا يملك إلا ملفًا نظيفًا، وسيرة بسيطة، وشهادة تخرّج عادية، فيُترك في الظل لا أحد ينظر إليه كشخص يريد تحسين حياة أسرته، بل يُعامَل كخطر محتمل، أو رقم زائد.
"قصص مؤلمة… خلف كل ابتسامة مهاجر يمني، حكاية نجاة"
ما لا يعرفه الآخرون أن الشاب اليمني حين يصل إلى الخارج، لا يكون قد سافر… بل نجا، نجا من الإحباط، من قهر النظام، من تعقيدات السفر، من الابتزاز، من الخوف، ومن مئات القصص التي لم تُروَ.
هو لا يسافر ليتعلّم فقط، بل ليعود إنسانًا يشعر أنه يُرى، يُسمَع، يُقدَّر.
الكثير من هؤلاء الشباب يتنفسون لأول مرة في بلدان اللجوء أو الدراسة يدرسون بألم، يعملون بكرامة، ويبعثون بقية ما يكسِبونه لأمهاتهم وآبائهم الذين باعوا كل ما يملكون ليساعدوهم على عبور المطار.
"نهاية ليست مظلمة… لكن الطريق وعرة"
رغم كل شيء، لا تزال العيون اليمنية تنظر للأفق لا تزال هناك رسائل قبول تصل، ومقابلات تُجرى، ومنح تُنشر… لكنها كأشعة ضوء تتسلل من بين جدران الإسمنت المسلح.
ما يحتاجه الشاب اليمني ليس عطفًا، بل عدالة.
ليس منحة مشروطة، بل بابًا مفتوحًا.
ليس خطابًا دوليًا، بل إجراءً واقعيًا يراعي أن هذا البلد نزف ما يكفي.
ولأن كل شاب يمني بسيط ما يزال يحاول، فهذه ليست قصة فشل… بل قصة صمود.