لم يكن الثلاثون من نوفمبر 1967م في العاصمة عدن وبقية المحافظات الجنوبية الأخرى التي كانت تقبع تحت سلطة الاحتلال حدثا عاديا، بل كان زلزالا وحدثا محوريا على كافة المستويات والأصعدة الداخلية والخارجية، وأثبت المناضلون الأوائل للعالم أجمع أن إرادة الشعوب التواقة إلى الحرية والعيش بكرامة لا تقهر، وأنهم أهل قوة وأولو بأس شديد، وأنه مهما كانت قوة الخصم السياسية والعسكرية والإعلامية والاقتصادية فإنها لا تساوي شيئا أمام الحق وأهله. ولذلك انتصرت المقاومة الشعبية رغم إمكاناتها التمويلية والتسليحية الضعيفة التي لا تكاد تذكر مقارنة بما لدى الإمبراطورية البريطانية العظمى من دهاء سياسي ونفوذ وسيطرة عالمية، وإمدادات ضخمة من المقاتلين والأسلحة والذخائر الحديثة المتنوعة، إلى جانب التفوق والسيطرة الحصرية على المجال الجوي، وعلى السواحل الممتدة من مضيق باب المندب حتى ساحل حوف بمحافظة المهرة.
الدروس المستفادة اليوم من ثورة 14 أكتوبر المجيدة 1963م، التي توجت بالانتصار التاريخي الكبير في الـ 30 من نوفمبر 1967م، ودحر آخر جندي بريطاني، وإعلان الاستقلال، وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وعاصمتها عدن، هي أن قوة العزيمة والإرادة الشعبية الصادقة والمؤمنة بنصر الله، والإيمان بعدالة القضايا الوطنية المشروعة لدى الشعوب المضطهدة، أقوى بكثير من قوة السلاح ومن القوة المادية، مهما كبرت وعظمت عند أصحابها. ولذلك قال الله تبارك وتعالى: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله}، والسبب في ذلك القوة الإيمانية والروح المعنوية العالية، ووحدة الصف وسمو الأهداف المنشودة. ولذلك كان من أهداف ثورة الـ14 من أكتوبر المجيدة 1963م، و30 نوفمبر 1967م، تحقيق الاستقلال الشامل، وفرض السيادة الوطنية، والقضاء على التقسيم الاستعماري للمناطق الجنوبية، وتوحيد كافة السلطنات والمشيخات والإمارات تحت سلطة سياسية واحدة، وبناء مؤسسات الدولة، وتعزيز الأمن والاستقرار، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ودعم حقوق الإنسان، وتحسين معيشة المواطنين، والانفتاح السياسي والاقتصادي على دول المحيط العربي، وعلى جميع دول وشعوب العالم.
ستبقى ذكرى الجلاء وإعلان الاستقلال حاضرة وبقوة في وجدان الذاكرة السياسية والوطنية والشعبية، وذلك لما مثله هذا اليوم من إنجاز وتحول تاريخي كبير في اليمن، والجزيرة العربية في القرن الماضي وعصرنا الحاضر. الشيء المهم اليوم في استحضار مناسبة الذكرى الـ58 للاستقلال هو التطبيق العملي للأهداف التي قامت من أجلها ثورتا 26 سبتمبر و14 أكتوبر و30 نوفمبر، وتوحيد الصفوف وتوجيه جميع الجهود والطاقات لهزيمة العدو المشترك لليمن واليمنيين والعرب والمسلمين، والمتمثل في الاستعمار الإيراني البغيض، عبر أدواته المحلية وهي الميليشيا الانقلابية الحوثية في الشمال وحلفاؤهم من الجماعات والتنظيمات الإرهابية في الجنوب، وما سوى ذلك من القضايا السياسية الخلافية فليس وقتها الآن، ولكل حادثة حديث.
