
قصة الاحتلال البريطاني للعاصمة عدن بدأ سنة 1839، إثر حادثة السفينة “داريا دولت”، التي ادعى البريطانيون انها تعرضت عام 1837، للهجوم المسلح والنهب من قبل السكان، بتحريض من قبل ابن سلطان لحج وعدن، وبعد شهر من هذه الحادثة، رفع “كوماندر هينز”، قائد السفينة البريطانية “بالينورس”، تقريرا إلى سيرتشارلز مالكولم قائد البحرية الإنجليزية في الهند، حيث قال في تقريره، “يشرفني أن أعلمكم أنه لدى وجودي في عدن خلال شهر إبريل، تبينت أن البضاعة التي تمت استعادتها من السفينة المحطمة (داريا دولت)، التي تحمل العلم الإنكليزي، والعائدة إلى مدراس كانت مطروحة في السوق بأقل من ثلث قيمتها”، وكان هذا التقرير والتحركات العسكرية البريطانية في البحر، مجرد أعذار واهية لاحتلال عدن، رغم أن سلطان لحج وعدن حينها عرض على البريطانيين دفع المال مقابل الأضرار التي تعرضت لها السفينة، وكذلك قيمة البضاعة التي قال البريطانيون انها نهبت من قبل السكان..ولكنهم رفضوا بصورة قاطعة وفي 19 يناير 1839، قصفت البحرية البريطانية مدينة عدن، ونشبت معركة قصيرة وغير متكافئة، انتهت بسيطرة القوات البريطانية- الأكثر عدة وعتاداً وتطوراً- على عدن، وإخضاعها للتاج البريطاني، وبعد ذلك عقد الإنجليز تفاهمات واتفاقيات مع عدد من السلاطين، وذلك من أجل مصالحهم السياسية، والتجارية، والبحرية، في المنطقة.
وخلال 129 عاماً من الاحتلال البريطاني، شهدت المحافظات الجنوبية المحتلة، عددا من الاحتجاحات والمظاهرات والانتفاضات الشعبية المسلحة ضد قوى الاستعمار، إلى جانب عدد من التحركات السياسية الوحدوية بين السلاطين، والتي نتج عنها إعلان قيام “اتحاد إمارات الجنوب العربي”، في 11 فبراير 1959 وتأسيس المجلس التشريعي لأول مرة، وبعد ذلك استمر النضال والكفاح بصور وأشكال مختلفة، وفي الـ 26 من سبتمبر 1962 سقط النظام الإمامي الملكي في الشمال، وأعلن عن قيام الجمهورية، وانعكس هذا التحول السياسي الجديد في الشمال بصورة إيجابية على معركة التحرير في الجنوب، وتم التعاون والتنسيق بين الطرفين، وكانت مدينة تعز نقطة تدريب وانطلاق رجال المقاومة إلى المحافظات الجنوبية، ومما يذكر أن العديد من رجال المقاومة الجنوبية شاركوا اخوانهم في الشمال أثناء قيام ثورة الـ 26 من سبتمبر عام 1962، توالت الأحداث العسكرية الميدانية واستطاع رجال المقاومة تكبيد قوات الاحتلال، خسائر فادحة في الأرواح والعتاد العسكري، ليعلن بعد ذلك وزير الخارجية البريطاني، جورج براون عن استعداد الحكومة البريطانية منح الاستقلال الكامل للجنوب، وفعلا بدأت المفاوضات في العاصمة السويسرية جنيف، بين وفد الجبهة القومية، والجانب البريطاني، وفي نهاية المطاف تم التوقيع على وثيقة الاستقلال بين قحطان الشعبي عن وفد الجبهة القومية، واللورد شاكلتون عن وفد بريطانيا، وفي الـ 30 من نوفمبر 1967 أعلن الاستقلال، وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وعاصمتها عدن، وعين قحطان الشعبي رئيسا للجمهورية الوليدة وذلك لمدة سنتين.
ستبقى ثورة الـ 14 من أكتوبر 1963 بأهدافها العشرة ذكرى وطنية خالدة، بأحداثها ورجالها الذين اثبتوا للعالم اجمع، أن إرادة الشعوب الحرة لا تقهر ابدا، وان القوة العسكرية مهما عظمت لا تصمد أمام عزيمة الأبطال، المخلصين لربهم واوطانهم وشعوبهم، وهذا مصداقا لقوله تعالى: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}، الذي يجب إدراكه اليوم، ان النية الصادقة، والإخلاص، والعزيمة، والإصرار، وتوحيد الصفوف، والعقيدة الصحيحة، كلها عوامل حقيقية لصناعة الانتصار مهما كانت قوة الخصم السياسية أو العسكرية، وعليه يجب على الجميع اصلاح النوايا والمصداقية، من أجل مواجهة الميليشيا الانقلابية الحوثية الإرهابية، المدعومة من النظام الإيراني، وتحقيق الانتصار وكسر المشروع الإيراني الخبيث في اليمن والمنطقة العربية، إلى جانب تحقيق الانتصار في معركة مواجهة التنظيمات والحركات الإرهابية، وتطهير الوطن من شرهم وشرورهم والعيش بأمن وأمان واستقرار.