
أجدادنا الذين أسقطوا الإمامة وأقاموا النظام الجمهوري في 26 سبتمبر عام 1962، كانت أهدافهم واضحة، وكانوا يدركون تمامًا ماذا يريدون.
لقد عبروا عن ذلك من خلال الأهداف الستة التي كانت عنوانًا للثورة ومنارة للجمهورية.
الأهداف الستة سطروها بدمائهم وفدوها بأرواحهم، وأصروا على تطبيقها على أرض الواقع منذ أول يوم لانتصار الثورة. الهدف الأول، جوهر القضية كلها، هو «التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة نظام جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات الطبقية». عليك أن تضع عشرين خطًا تحت عبارة «وإزالة الفوارق والامتيازات الطبقية»، لأنها لب الثورة وقلب الجمهورية. هذه العبارة لم تكتب من فراغ، من كتبوها هم يعرفون ما وراءها.
فالإمامة كانت تستمد مشروعيتها من الفوارق والامتيازات الطبقية (السادة والأشراف، أحفاد رسول الله، أصحاب الحق الإلهي، طاعتهم من طاعة الله، من خرج عليهم خرج على الإسلام)، من هذه الأفكار والمعتقدات حكم الأئمة على رقاب الناس وجعلوا لأنفسهم مكانة خاصة في المجتمع والطبقة الأولى فيه. ثم قسموا بقية المجتمع إلى طبقات وجعلوا لكل طبقة امتيازات خاصة لا يجوز تجاوزها: القبائل، الرعية، أصحاب المهن، وصولاً إلى المهمشين. وكل طبقة لها لباس خاص بها.
تم إلغاء مبدأ المساواة الذي أقره الإسلام ودعا إليه وجعله من أهم مبادئه، وتم إلغاء المواطنة المتساوية التي أقرتها المواثيق الدولية وجعلتها شرطًا أساسيًا لتحقيق الحرية والعدل.
الإمامة لم تكن نظامًا ملكيًا مثل بقية الأنظمة الملكية في دول العالم، كان نظامًا مختلفًا يستمد مشروعيته من نصوص دينية مكذوبة يُرغم الناس على الالتزام بها والتضحية من أجلها. ولم تكن قضية إزالة الفوارق والامتيازات الطبقية سهلة، فهناك من لا يزال حتى اليوم يرفض ذلك، يصر أن ذلك خروج عن الإسلام. لذلك لا غرابة إذا سمعنا من يهاجم الثورة ويسعى إلى الانقلاب عن الجمهورية.
من وجهة نظري، أرى أنه حدث تقصير من قبل مؤسسات الدولة والأحزاب السياسية في شرح وتوضيح أهداف الثورة ومبادئ الجمهورية للأجيال التي جاءت بعد الجيل الأول الذين أسسوا الجمهورية وأشعلوا الثورة. هذا القصور لا نعرف ما سببه، لكن نتج عنه ما نعيشه اليوم من حرب ودمار وعودة لكهنوت الإمامة. لقد كانوا يقولون لنا الثورة قامت ضد الفقر والجهل والمرض فقط، وظلوا يرددون هذه العبارة ويحفظونها للأجيال. لم يوضحوا حقيقة الثورة ولماذا قامت وما هي حقيقة أهدافها وما هي الإمامة وما هو وجهها الحقيقي.
لم يقولوا لنا إن 26 سبتمبر جاءت تدافع عن تعاليم الإسلام الحنيف التي شوهتها الإمامة، عن مبدأ المساواة التي صادرتها الإمامة، عن قيم الشورى والحرية التي أنكرتها الإمامة، عن المواطنة المتساوية، وعن كرامة الإنسان اليمني التي حاولت الإمامة طمسها.
اليوم يجب علينا العودة الصادقة إلى أهداف الثورة ومبادئ الجمهورية، ونجعلها هي المرجعية الأساسية التي نلتف حولها ونضحي من أجلها. فالمعركة اليوم في اليمن بين الجمهورية والإمامة، وبين الصف الجمهوري والصف الإمامي، ولا يوجد صف آخر.