
إن كنا نكتب من أجل فرض ارادتنا الخاصة، فسنخوض في النتائج، وهي القضايا التي على هامش المشكلات الوطنية الكبرى، سننشغل في عزاء موتانا والانتهاكات العارضة، وسنحاول أن نرمي كل الأخطاء على الخصم، ونخفف من هول خطايانا، لنركز على خطايا خصومنا، ونتوه كما تهنا اليوم في النكاية والوشاية، كخصوم لا كشركاء، ونتفنن في الاتهام والتخوين والترهيب، لنزيد من حجم تلك المشكلات، دون أن نشير للحقيقة، والحقيقة هي وحدها القادرة على أن تخرجنا من هذا التيه والمتاهة، (لا حلول دون معرفة الحقائق)، أي حلول المشكلات يستدعي فهم الحقائق المتعلقة بها بشكل كامل، من خلال البحث عن المعلومة الصحيحة والموثوقة حول الأمر قبل البدء بالبحث عن الحل.
المعاناة صارت واقعا، وشبح الجوع والفقر والمرض يهدد المجتمع، وينهار كل شيء أمام أعيننا، التعليم كركيزة اساسية في تنمية المجتمعات، والخدمات والمعيشة كسبل الحياة الكريمة للإنسان، والكل يتخلى عن مسؤوليته الوطنية، ولا يرى الامور بمنظار وطني، بل يراها من حاجته لفرض إرادته وإرادة جماعته على الآخرين.
فالكتابة هنا مسؤولية، في تناول القضايا الكبرى التي ولدت كل تلك المشكلات، والكاتب الناجح هو الذي يركز على الاجابة على أسئلة الواقع الذي يعيشه بحيادية ونظرة فاحصة وواسعة الافق، دون انحياز أو تقيد بإرادة خاصة وقناعات جماعته فقط، أو البحث عن مبررات فرض إرادته على الآخرين.
نحن شعب ثائر، متطلع للتغيير، نرفض الظلم والضيم والقهر والاستبداد، ولكننا شعب عاطفي، تغرينا الشعارات التي تغذي فينا الأنانية أحيانا، فبدلا من أن ندافع عن القضايا الوطنية الكبرى، نصطف مع قضايانا الصغرى، وهي قضايا القبيلة والعشيرة والمذهب والطائفة، والبدء في اصطفاف مناطقي قبلي ضد بعضنا البعض، إن رأيت مثل هذه الموضوعات الصغرى تعلو في المجتمع على الوعي المنطقي والاهتمام بقضايا الاجماع الوطني، فإننا أمام مجتمع لا مبالٍ.
نسعى للتغيير وإذا بنا نغرق في السوء، وبدلا من أن نغير نتغير للأسوأ، نشكو من سطوة فئة سياسية أو عرقية أو عشائرية أو قبلية، وعندما نصل للسلطة نفرض إرادتنا السياسية والعشائرية على الآخرين، وإذا بنا قبائل ومناطق تتصارع ليتشظى الوطن وتدمر الارادة الوطنية لشظايا من الارادات الصغيرة المتنازعة.
ظاهرة نشهدها على الواقع، تعززت بالقناعات والقطيعة آن الاوان للتصدي لها، في غمرة مرحلة غاية في الدقة والحساسية يمر بها الوطن شماله وجنوبه شرقه وغربه، تستدعي منا التركيز على القضايا الوطنية الكبرى، وتطلعات الامة.
ويقودنا هذا للسؤال الهام من يشغل هذه الملهاة؟ ومن يعمل على تغذيتها؟ ومن المستفيد منها؟
أسئلة اجابتها ستفضح من هم المستفيدون اليوم مما نحن فيه، من غياب دولة والنظام والقانون، من يقف عائقا أمام استعادة نبض الحياة لشريان تغذية الموازنة العامة، واعادة الروح لبنود هذه الموازنة، وعلى رأسها البند الاول رواتب واستحقاقات الناس، وبنود تشغيل مشاريع التنمية الكبرى، كالتعليم والثقافة، ودعم العملة وحركة التجارة والاقتصاد، لتشغيل المرتكزات الاقتصادية، واستثمار الموارد، لدعم معيشة الناس واحتياجات النشء والجيل، ورفع مكانة الانسان كمعلم وموظف ومهندس وطبيب وعامل.
وقف السيطرة والتمكين وهدر الاموال ومقومات البلد ليستفيد منها جماعة والشعب يعاني، ولله في خلقه شؤون.