
واقعنا اليوم هو نتاج غياب الرجل المناسب في الموقع المناسب، حتى وان ما زالت هناك عقول وكفاءات ومهارات، لكنها تفتقد للفرص المتاحة، وصارت الفرص متاحة لتوزع حسب الانتماء السياسي او الجهوي، فلا غرابة أن تجد طبيبا يدير مؤسسة مالية، وتجد مهندسا يدير مؤسسة طبية، وتجد مؤسسات تديرها شخصيات أقل كفاءة مع انها تمتلك الكثير من الكفاءات، ومع الاسف أن نفتقد للعقل المؤسسي، العقل الذي تدرج بمهام وامتلك خبرة وتأهل ليكون في مقدمة الكفاءات، لكننا في بلد يبحث عن الشكليات حيث اصبحت الشهادة هي صك الوصول لسلطة ما.
مع أننا نعرف اليوم ان الشهادة هي تأهيل يحتاج لان يصقل بالخبرة، والمتفوق دراسيا ليس بالضرورة متفوقا عمليا، وهناك من هو مُنظر، وآخر عملي ميداني، وآخر مهني ذو خبرة وكفاءة تفوق المستوى الدراسي والبحث العلمي.
ما أحوجنا اليوم للخبرات والكفاءات المهنية والعلمية، يستكمل الفرد دراسته ويحتاج لكم سنة تصقل امكانياته العلمية ليصبح كفاءة مهنية، وهذا ما تحتاجه المؤسسات في استيعاب الخريجين الجدد، وتوفير كل الفرص المتاحة لهم لتنافس حقيقي وعلمي ومهني، ويتم تقييمهم و فرزهم كل بحسب مهاراته وقدراته، ليتم وضع الانسان المناسب في المكان المناسب، ما لم تكن هناك منافسة حقيقية وفرص متاحة لكل حسب قدراته ومهاراته وابداعاته وعلمه، لن نستطيع ان ننهض بالمؤسسات والادارات والمرتكزات الاقتصادية والادارية، سنبقى نعيش تجارب فاشلة وصراعاً مع الفشل، وتدميراً حقيقياً للعقول والكفاءات حيث لا نجاح.
للأسف الشديد اصبح التنازع السياسي وابلاً علينا وعلى مؤسسات الدولة، واصبحت الوظيفة جزءا من الاغراء والشراء للذمم والولاءات، كم وكلاء تم اختيارهم بالولاء بينما يوجد من هو كفؤ واقدر واكثر تفوقاً علميا ومهنيا، هذا مع الاسف جعل البعض يبحث عن ولاء سياسي او جهوي يمكنه من الوصول لموقع هو يعلم أن هناك من هو اقدر واكفأ منه له ، ولكنه الواقع فرض عليه، يمكن لو أن هناك فرصا متاحة للتنافس الحقيقي كان قبل بالنصيب، بل طور من نفسه وامكانياته وكفاءاته ليكون في مستوى التنافس، هذا الواقع المفروض هو اساس فشل حقيقي للمؤسسات فشل اداري واقتصادي وسياسي، بسبب الحد من اهمية التنافس والتبارز المهني والعلمي .
زاد حجم التنافس على الوظيفة والتقاسم والمناصفة، حتى تشكلت بطالة مقنعة في مؤسسات الدولة لا استطيع أن اقدم بيانات حقيقية لكن ما هو معروف أن كثيرا من الوزارات لديها كم من الموظفين والمستشارين فوق طاقة الوزارة، ومكتب محافظة يمتلك كما هائلا من الوكلاء، طبعا كل محافظ يحافظ على أن يعين من هم أقرب إليه من حبل الوريد السياسي والجهوي والمصلحي.
ونسأل من اين أتى هذا الفشل، فشلنا أن كفاءاتنا وكوادرنا وعقول البلد هاجرت منذ 67م واستمرت تهاجر حتى يومنا هذا، لأنها مهنية لا تقبل أن توالي لا سياسيا ولا جهويا، بل تريد أن تعمل وتقدم كل ما لديها لخدمة الوطن والمواطن، فلم تتح لها الفرص، وهي اليوم متفوقة في مجالات مختلفة في العالم، وفي كبرى جامعات العالم، ومؤسسات البحث والدراسات، وبلدنا تعيش وضعا مؤسسيا كارثيا، لا تعليم ولا جامعة ولا بحث ولا دراسة، مجرد ولاءات وجهويات ترقص على اوجاع الناس، وترفض حتى السماع لأنينهم، بل مطلوب منهم ان يستمعوا لخطاب العنتريات، ولصوت العنف والتلويح بالهراوات والتعذيب والعض لكل من يصرخ الما ويبحث عن مستقبل افضل.
هذا الوضع الشاذ لن يستمر طويلا والعقول لن تقبله مهما هاجرت فما زال الوطن يسكنها والوجع يؤلمها وسياتي اليوم لتتوحد الرؤى لتجمع تلك العقول لتتفوق الكفاءة والمهنية والوطنية على الولاء والجهوية وينتصر العقل على الجهل وكل هذا الفشل.