
نعرف أننا نخوض مخاضا عسيرا، ونتحسس في بيئة غير طبيعية، قد تقع أيدينا في وكر دبابير، أو وكر ثعابين، ممن تخلقوا في الفوضى، وأصبحوا جزءا من السلطة، ولكنه الجزء الفاسد الذي أغرته السلطة وأخذته هالتها إلى أن يرى نفسه مميزا، سيدا لا يخضع لقوانين العامة، هو السلطة والسلطة هو، إنها العقلية التي تعتلي سلطة وتتحول إلى العنة.
ولعنتنا هي لعنة العرب المزمنة، الصراع على السلطة، وما تصيب الأوطان من مقتل.
في عالم يتسابق فيه البشر للنهوض نحو المستقبل، نصر نحن على الدوران في حلقة مفرغة، كلما ثرنا للتخلص من منظومة فاسدة، ينتقل بعض فسادها ليتسلق سلطة الثورة، ويعيد تشكيل وكر للدبابير والرقص على رؤوس الثعابين، مستفيدة من عقلية تختزل مفهوم الوطن في منطقة وطائفة وشخص، و البدء بالتدريج بإغلاق كل منافذ الحرية، خوفا من استعادة روح الثورة، وهو الخوف الذي زج بكل رفاقه الصادقين من الثوار في غياهب النسيان، فلم يعد يراهم إلا من كرسي السلطة.
إنه الجهل إذا تربع سلطة وأغرته هالتها، انعشت فيه الأنانية السياسية، وانعدام الثقة في من حوله، فتغيب ثقافة التنازل من أجل الوطن والمصلحة الوطنية، أي غياب ثقافة الثورة لترسيخ حالة الاستبداد بكل صوره، والاستبداد هو رد فعل للخوف على انتزاع السلطة التي يعتبرها مغنماً وليست مغرماً.
ويبدأ صراع بين جماهير تواقة للتغيير، وسلطة فقدت القدرة على تغيير الواقع، وعادت لتمارس الاستبداد ذاته بلباس مختلف، والنتيجة تدفع بالتواقين للتغيير إلى الدفاع عن تطلعاتهم في تغيير واقع الثورة المشوه، والثورة مستمرة لا تتوقف .
وهنا تبدأ مرحلة جديدة من الصراع، جماهير يدفعون الثمن ( دما وجوعا وتهجيرا وأملا مكسورا وحقوقا مهدورة) في حالة يمكن وصفها بأزمة الحكم وأزمة الوعي.
وهي الأزمة التي قد تشكل انقساماً بين أحرار للوطن وعبيد للسلطة، وشعب مغلوب على أمره تائه، لم يمنح حق المشاركة الحقيقية في صنع مصيره.
إذا خرج يتظاهر يصطدم بجدار ممن يحمون السلطة والسلطان، فلم يعد الرهان عليهم، ولا ينتمون للجماهير، وهناك أياد خفية تعبث بالعدادات، خاصة إذا ما تشكلت أدوات السلطة من تلك التحركات الخفية، وما تخفيه من مصالح قبلية ومناطقية.
وإن وجد القائد النزيه، وئدت رؤيته في مهدها، لأن شبكات الفساد لا تريد إصلاحا ولن تسمح للإصلاح، بل إعادة تدوير الخراب ما يضمن لها البقاء.
تتفكك تلك الشبكات وتدمر أوكارها إذا ما أدير الوطن كمؤسسة عامة، يحكم بنظام وقانون، يخضع الجميع للمساءلة، مؤسسات تبنى على الفصل بين السلطات والشفافية والرأي والرأي الآخر واحترام النظم والقوانين، ولن يكون ذلك دون حرية وجماهير تراقب، ومن حقها أن تتظاهر إذا ما شهدت خذلانا واعوجاجا، وإرادة الجماهير هي مصدر السلطات، من يرى نفسه فوق هذه الإرادة فإنه يقف أمام طوفان قوته تطلعات الناس وأحلامهم وحقوقهم، طوفان سحق وسيسحق كل من يرى نفسه فوق تلك الجماهير، ويتجاهل صوتها وغضبها، الذي يبدأ صغيرا خافتا ثم يكبر ليكون طوفانا هادرا لم تستطع أي قوة أن تقف في وجهه، ولنا في تجاربنا عبر ودروس .