أعرف مسبقا أن ما سأكتبه في هذه السطور لن يغير من الأمر، لكن التنويه لما يبدو لي سيزيح عن كاهلي الغصة ولو إلى حين.
البعض لا يستشعر خطورة التمدد الصهيوني على زاوية 360 درجة، ولا يعتبرها مؤشرا على خطوات جادة يشرع بها الغرب لتحقيق مفهوم الشرق الأوسط (الجديد أو الكبير- النتيجة واحدة) - بمخالب إسرائيل التي تنفذ “الأعمال القذرة” نيابة عن الغرب بأكمله” حسب تعبير المستشار الألماني فريدريش ميرتس، ولطالما قامت إسرائيل بكل القذارات التي لا يريد الغرب القيام بها بنفسه.
بدأت العملية مطلع القرن الحالي بغزو العراق التي لم يرها البعض حينها الا مجرد عملية جراحية بسيطة لإزالة صدام من سدة الحكم في العراق. أعرف تماما أنهم الآن يعضون أصابع الندم لكنهم لا يريدون الاعتراف بذلك ولا يستطيعون تغيير مجرى سيل العرم الذي يتجه نحوهم بقوة انحدار مخيفة.
يحاول البعض تمرير رواية زائفة عما يحدث. يلقي باللائمة على حماس بأنها أيقظت الوحش النائم من سباته. هذا توهم فهذا الوحش ليس نائما مطلقا (نحن فقط في سبات عميق) نحلم بوحش وديع نائم. لم تتوقف إسرائيل لحظة واحدة منذ أوسلو عن القتل والقضم، وقبل طوفان الأقصى كانت إسرائيل تمارس طقوسها في الضفة الغربية.
ربما وقعت حماس في خطأ التكتيك أو التوقيت. لكن الدعوة لتسليم السلاح الفلسطيني لن يعجل بالسلام، إلا إذا أردنا أن ندخل في جحر الضب اتباعا لأوهامنا. تجربة الهند في التحرر من الاستعمار تجربة فريدة ومميزة وملهمة، لكنها لا تصلح مع كل المستعمرين، ليس المستعمر البريطاني مثلا كالفرنسي كما بينت ثورة الجزائر، أما الصهيونية فلا تشبههما الاثنين، لأنها مزيج من المصدر المؤسس للنازية والفكر الفاشي.
ينتشر الوباء من فلسطين إلى بيروت فدمشق واليمن بلوغا إلى طهران. لا يرى البعض في ذلك خطورة. عمرو موسى وحده أحس بالخطورة ولكنه كان خجولا جدا فلم يدعُ الا لاجتماع مجلس الأمن القومي المصري لأن “ الحرب الجارية بين إسرائيل وإيران وإرهاصات التدخل المباشر للدول العظمى أو بعضها، تطرح تهديداتٍ خطيرة للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط تتأثر به دوله ومجتمعاته. ومصر والشعب المصري ليسا بعيدين عن ذلك”، لأن “ على رأس مسئولياته مواجهة الالتزامات بشتى أنواعها التي تهدد أمن البلاد، واتخاذ ما يلزم لاحتوائها، وتحديد مصادر الأخطار التي تهدد الأمن القومي المصري في الداخل والخارج والإجراءات اللازمة للتصدي لها”. إذا الموضوع جد الجد وليس مسرحية كما درج بعض إخواننا على القول خلال العامين الماضيين.
يشعر موسى أو هكذا يبدو لي، أن مصر هي الهدف التالي ليس لإسرائيل فقط، بل ولمن ظل يتحين لها الفرصة وهو على استعداد للتمويل في اللحظة المناسبة، ولسان الحال يتمتم بقول المتنبي:
إِذا رأيتَ نُيوبَ اللَيثِ بارِزَةً فَلا تَظُنَّنَّ أَنَّ اللَيثَ يبتَسِمُ
موسى لم يتوجه بالدعوة للأعراب عامة لهكذا اجتماع لأنه أعلم بهم، وقد خبرهم لفترة طويلة، ويعلم كيف يفكرون. أما أنا فأقول إن أقرب نقطة تشد إسرائيل نحوها هي سيناء. سيناء ليست فقط أسطورة توراتية وجزءا من شعار من النيل إلى الفرات، بل أكثر من ذلك بكثير، ليس أقله فتح البوابة الكبيرة للشرق أمام نابليون وابتلاع المحروسة وردم حلم (من البحر إلى البحر).