عند قيام الثورة 26 سبتمبر 1962م وعندما تكالبت عليها القوى الرجعية والاستعمارية بهدف إجهاضها كسابقاتها من الثورات والانتفاضات التي شهدتها الساحة اليمنية شمالاً ضد الإمامة وجنوباً ضد الاستعمار لبى الرئيس جمال عبدالناصر طلب مجلس قيادة الثورة اليمنية بتقديم المساعدة للدفاع عنها وحمايتها من أعدائها من القوى الرجعية والاستعمارية وقد وصل جيش مصر العروبة في الاسبوع الأول من قيام الثورة باليمن مدافعاً جنباً إلى جنب مع أبناء الشعب والقوات المسلحة والأمن عن النظام الجمهوري الذي اختار طريقة الشعب اليمني وسطر الجيش المصري أروع الملاحم البطولية فوق جبال اليمن ووديانها وسهولها جنباً إلى جنب مع الجيش والمقاومة الشعبية اليمنية لدحر فلول الملكيين والمرتزقة الأجانب والمغرر بهم من أصحاب النفوس الضعيفة الذين ارادوا أن يعيدوا عجلة التاريخ إلى الوراء. وما كان يزيد الأخوة العرب أيماناً وثباتاً إلى جانب إخوانهم اليمنيين مشاهدتهم لبعض العائدين من الخارج الذين حضروا ملبين نداء الواجب للدفاع عن ثورتهم التي وصفها (هارولد أنجرامس) في كتابه اليمن - الأئمة - الحكام - الثورات - بأنها أكبر حدث يشهدها اليمن والجزيرة العربية خلال 1400 عام بعد نزول الرسالة الإلهية التي أنزلت من السماء على (سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عيله وسلم آخر الأنبياء والمرسلين) وقد كان للثورة اليمنية صدى قوياً ومدوياً في الدوائر الإمبريالية والرجعية، وكانت مكان حديث العرب والأجانب على حد سواء بما في ذلك العامليين الأوروبيين في القواعد البريطانية بعدن ومنطقة الخليج العربي بما في ذلك قاعدة الاستعمار بالبحرين التي كان يعمل بها عدد من اليمنيين الملتحقين في السلك العسكري وخاصة من منطقة يافع فقد كان العريف قاهد سعيد صالح المحرمي اليهري يعمل في قوة دفاع البحرين وكان يدرك أن حديث الإنجليز الذي يدور بشكل مستمر يومياً عن الثورة اليمنية لا يعرف منه شيئاً سوى معرفة عندما يتم ترديد (ناصر - سالم - يمن).عند عودته إلى عدن من البحرين لغرض الزواج واستكمال نصف دينه التقى في عدن ببعض أصدقائه، ووجدهم متوجهين إلى يمن الثورة والجمهورية وأصر إلا أن يرافقهم فأبلغوه أن هناك إجراءات تتخذ قبل المغادرة دلوه على من يقوم بتلك الإجراءات ووجد أن الأستاذين محمد زين علوي الجبيري وعمر حسين الأصبحي هما على رأس القائمين على ترحيل المتطوعين من عدن إلى صنعاء للدفاع عن الثورة والجمهورية في شمال اليمن وحاولوا معه أن يذهب أولاً إلى منطقته التي كان غائباً عنها زهاء خمس سنوات ومن ثم يتزوج ويعود ويرسل إلى الجبهة لأن الاستعمار والرجعية لن يتركوا الشعب اليمني يهدأ له بال فأصر على أن يذهب أولاً للدفاع عن الثورة والجمهورية وكان له ما أراد وصادف أن يكون معه خلال رحلته من عدن إلى تعز اثنان من أبناء منطقته هما الأستاذ فضل علي محسن الجهوري والأستاذ سعيد بن سعيد المفلحي وكانا يعملان في مجال السينما وهما أول من أدخل السينما بعد الثورة إلى اليمن.كان الجهاز العربي المصري والأستاذ أحمد عطية المصري قنصل ج. ع. م بتعز يلعبان دوراً كبيراً في إيصال الجريدة العربية المصورة أسبوعياً لتشغل في دور سينما مستعمرة عن البريطانية وكان بعض الوطنيين يدخلون السينما لمجرد مشاهدة صورة الزعيم جمال عبد الناصر ويغادرونها بمجرد انتهاء عرض الجريدة المصورة.وصل إلى تعز وتوجه إلى الجهة المعنية حيث دخل المكتب وعندما فتح له الباب كانت صورة الرئيسين جمال عبد الناصر والمشير عبدالله السلال تعتليان جدار المكتب وخارطة تضم أقطار الوطن العربي من المحيط إلى الخليج فوق رأس ضابط المخابرات المصرية مثبتة على الجدار وبعد أن تقدم ضابط جهاز المخابرات العامة المصرية يتبادل التحية مع العريف القادم من البحرين عن طريق عدن - تبادلا معاً الحديث الودي وكأنهما يعرفان بعضهما من فترة طويلة ويبحث كل واحد منهما عن الآخر فوجده.كانت الصفات بينهما متشابهة ومتقاربة من حيث الطول والمتن واللون الأسمر المتقارب بين بشرة أبناء صعيد مصر ويافع سرو حمير نقل قاهد سعيد صالح المحرمي اليهري - بأول سيارة عسكرية مصرية مغادرة إلى صنعاء وهناك استكمل إجراءات سفره إلى القاهرة وغادر جواً بطائرة عسكرية من نوع انتينوف نزلت به في مطار ألماظة العسكري وتم نقله إلى أحد المعسكرات حيث خضع للفحص الطبي المعتاد قبل الدخول إلى الخدمة العسكرية ومكث فترة ستة أشهر. أخذ خلالها دورة على الأسلحة المختلفة (ودورة أخرى صاعقة ومغاوير) بعدها عاد إلى اليمن وشارك في عدة معارك كان أشهرها وأكبرها معركة قلعة جبل رازح التي سقط فيها الشهيد قاهد سعيد صالح وأثناء ما هو يثبت العلم الجمهوري فوق سطح القلعة اخترقت جسده الطاهر طلقات قاتلة من أحد المواقع البعيدة ومن بندقية قناص مرتزق أجنبي ودفن هناك وقبره معروف بالقرب من مكان استشهاده تحدثت عن بطولاته الصحافة المصرية واليمنية. كانت صورته تتقدم الصفوف محمولة في الاستعراضات العسكرية بمناسبة احتفالات أعياد الثورة المجيدة وتم التوجيه إلى مدير متحف مخلفات قصور الأئمة بتعز الأستاذ عبدالله المقحفي رحمه الله أن يضع صورة الشهيد قاهد سعيد صالح المحرمي ونبذة من السيرة الذاتية لحياته ويضعها بجانب صورة الشهيد احمد الثلايا قائد ثورة 1955م ولا تزال مثبتة في مكانها إلى يومنا هذا ونقدم الشكر للأخ مدير المتحف الحالي سيف حسين مسعد الجهوري ونود أن نذكر أن راتب الشهيد قد استمر لأسرته في زمن التشطير من قبل حكومة الجمهورية العربية اليمنية وكان أخوه عمر يأتي إلى عندي في مدينة تعز لأقوم بإيصاله إلى عند وكيل تسلم مرتب الشهيد هو الشيخ عبدالرب هيثم السعدي وكان حكام الجنوب الذين لم يهتدوا طوال فترة حكمهم للشطر الجنوبي بالسماح للأهالي بحرية السفر من الجنوب إلى الشمال وقد كانت تقدم ضمانة مشددة والتهديد بالويل والثبور والوعيد للكفيل قبل أن يقدم كفالته حتى يبتعد عن تقديم الضمانة ويعتذر لمن يطلبها.أما أخوه الشهيد سليمان سعيد صالح المحرمي اليهري فقد كان هو الآخر يعمل في قوة جيش قطر، وحصل على الثانوية العامة، وهو في الخدمة العسكرية وكان عنده وعي قومي لايخرج عن مبادئ ثورة 23 يوليو المصرية ونهج الرئيس جمال عبدالناصر وليلة 9 يونيو 1967م عندما قدم الرئيس جمال عبدالناصر تنحية من جميع مناصبه اثر النكسة وبينما كان الضباط والأفراد من غير العرب في جيش قطر يشاهدون عرض فيلم سينمائي في مقر القائد العام للجيش كان الشهيد سليمان سعيد صالح هو وآخرون ممن تحرك في عروقهم الدم العربي ليحولوا قاعة السينما داخل القيادة العامة إلى حطام( كان قائد الجيش بريطاني واسمه كوكرين) بعد أن سيطروا على الوضع داخل القيادة.جاء إليهم الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني نائب الحاكم حينها (والد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الحاكم الحالي) الذي تفهم للدوافع والأسباب والمسببات التي أدت إلى ارتكاب الشغب والتمرد داخل القيادة وبعد فترة و جيزة أقدمت قيادة الجيش على تصفية حقوق وترحيل كل من شارك في أعمال الشغب إلى بلدهم اليمن وكان الشهيد سليمان سعيد صالح في مقدمة من تم ترحيلهم ووصل إلى عدن ولم يخرج عن مبادئ وأهداف (عبدالناصر) بينما غيره ممن خرجوا من دول الخليج العربي وخاصة من دولة الكويت لبسوا ثوب حركة القوميين العرب دون أن يعرفوا عنها شيئاً وقد حاول ان يتكيف مع الوضع ولكن دون جدوى وعندما كان يسمع أقوال الحكام الجدد في عدن عن إساءتهم لعبد الناصر والناصريين وكانوا في الظاهر يقولون شيئاً بينما هم عملياً يملؤون السجون ويصفون الناصريين جسدياً.وفي ذات يوم من عام 1971م تم اختطاف سليمان سعيد صالح من الفندق الذي كان فية في حي كريتر وبنفس الطريقة تم اختطاف الآلاف من أحرار اليمن وبما إن الأخوين الشهيدين قاهد وسليمان قد قال فيهم احد المعمرين من نفس المنطقة وهو الوالد محمد ناصر سلمان الذي بلغ من العمر مائة وسبعة أعوام أطال الله عفوية قاهد كان عائش بيننا اليوم لكن أخوه سليمان ضيعوه ضيعهم الله. قلت له هذا الكلام يوجه إلى عضو مجلس النواب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي د. عيدروس نصر ناصر النقيب الذين نحن وأنت والشهيد سليمان المخطوف إلى يومنا هذا وأخيه الشهيد قاهد بطل معركة قلعة جبل رازح نقع جميعاً في إطار دائرته الانتخابية ولكون حزبه المتسبب بارتكاب الجريمة ويدعون اليوم إلى إحياء قيام دولة الجنوب العربي وهو ما يعنى إليه المندوب السامي البريكاني السير كيندي تريفاسكيس عام 1959م رد عليّ لاطماً بكف يده اليمني على جبهته قائلاً: ( إذا غريمك القاضي من تقاضي) وفهمت انه يقصد أن الاشتراكيين هم وراء كل المآسي والآلام التي عانى منها شعبنا طوال فترة حكمهم وإنهم قد فلتوا من العقاب كما يتصورون.دخل معنا شخص في تبادل الحديث لم يكن موجوداً معنا كان يرتدي ثوباً قصيراً ابيض ويحرك المسواك في فمه وله لحية كثيفة قائلاً:بالنسبة لنا أصدرنا حكمنا فيهم وهو حكم ساعين في تنفيذه لولا أن الرئيس يقول: أنهم شركاؤهم في الوحدة التي أتوا أليها هرباً من مصيرهم المحتوم ويعتبر الحكم قائماً في حقهم ويصلح في أي زمان ومكان إذا لم يهجعوا.قبل أن يرد الحاج محمد سألني: بصوت منخفض ايش يعني يهجعوا ؟!أعطيت له عدة مرادفات للكلمة وفهمني فرد عليّ الشخص المتدخل قائلاً: يا بني ..» بشر القاتلين بالقتل ولو بعد حين».يا أولادي.. ( إن سلم حياتهم الرئيس من حساب الدنيا فين يروحوا من حساب الله في الآخرة).قطع نداء الصلاة حديثنا وتوجهنا جميعاً إلى بيت الله لأن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً.
|
تقارير
شهداء من أجل الوطن
أخبار متعلقة