لا تشرق شمس يوم جديد على عدن هذه المدينة المكلوم أهلها، والمناطق المحررة، إلا وهناك خبر يضيف للحياة البائسة بأسا آخر، حتى أن المواطن قد اعتقد أنه يمشي داخل بئر عميقة شديدة الظلام، لا يقوى على رؤية شيء فيها.
برزت مشكلة انعدام الغاز المنزلي وهو نفسه غاز وقود السيارات لاسيما سيارات الأجرة، دون سابق إنذار بعد استقرار نسبي لمسه المواطن، وكأن المصائب لا تأتي فرادى. حتى انبرت مشتقات النفط لتعلن عن حضورها بزيادة سعرية جديدة، لتلهب معها أسعار البضائع والخدمات حتى خدمات النقل الداخلي، وكأن صاحب قرار الزيادة لا يعلم بذلك، وأنه لا يعلم بقراره هذا أنه سيزيد الطين بلة، ويؤشر ذلك إلى أن مؤسسات الدولة لا تربط بين ما هو ضروري وما هو ممكن، تاركة حبل كل شيء على الغارب.
لم تتركنا عقدة خدمة الكهرباء حتى صار المواطن يعاني من (عقدة الشهيد )بسببها، بل إنها ازدادت تعقيدا عن السنوات السابقة، وأضحت معها الحلول الترقيعية إحدى المشكلات التي تزيدها تعقيدا، مثل استلاف وقود من الموردين وعدم السداد لهم أو عدم ارجاع كميات الوقود، مما عقد مسالة أخذ دفعات من الوقود، مما جرّ الموردين الى إغلاق هواتفهم أثناء الأزمات، وها نحن نعيش أزمة حادة في هذه الخدمة فيما لو تبصر أصحاب القرار والقائمون عليها لوجدوا حلولا مستدامة ومنذ سنوات، ولكن غياب الرؤية قد أطاب للبعض الاستمرار بهذا الشكل السيئ حتى وصلت هذه الخدمة الإستراتيجية إلى ما وصلت إليه .
وثالث الاثافي ما يجري في المضاربات غير القانونية على العملة الوطنية والتي وصلت إلى بئر سحيقة ومازالت لم تتوقف عن الهبوط الحر، بسبب نشوء نشاط اقتصادي موازٍ غير منضبط، أدى بالنتيجة إلى شلل كامل في منظومة السياسة النقدية، ونتج عنها فقدان أكثر من عشرة أضعاف من قيمة العملة الوطنية خلال عقد من الزمان، والغريب أن البنك المركزي حين يقيم مزادات لبيع العملات الأجنبية، لا يجد من يشتري الكمية المعروضة كلها، وفي نفس الوقت تنهمك البنوك الخاصة ومحلات الصرافة على شراء العملات الأجنبية الحرة من السوق، وكأن هناك اتفاقا على تجفيف موارد البنك المركزي.
ومازال الملف مملوءاً بالكوارث التي تحتاج إلى معالجات عاجلة، وعلى سبيل الذكر لا الحصر مشكلة اختلاط مياه الشرب بالمجاري وقضية تدفق سيول مياه الصرف غير الصحي إلى البحر دون معالجة، وتلوث البيئة البحرية التي تعتبر أهم مصادر البلاد المستدامة (الثروة السمكية)، أكثر من 100,000 متر مكعب تقريبا تتدفق يوميًا إلى بحر عدن دون معالجة. واذا أطللنا على ملف الصحة العامة فحدث ولا حرج ولاسيما فيما يحدث في المشافي والمجمعات الصحية الحكومية والتي لولا عدد من المنظمات الدولية والإقليمية تساندها لشهدنا كوارث حقيقية.
ونحاول أن نختم هذه الملفات العاجلة التي تنتظر حكومة الاستاذ سالم بن بريك بملف التعليم الذي كما يبدو ذهب مع الريح ولم يكتفوا بتأصيل حالة غياب الكتاب والفصل والمعلم بل وصل الأمر إلى تنفيذ أطول إضراب أغلقت معه المدارس الحكومية أبوابها (إلا من رحم ربي) تلك مشكلة والجميع يعلم بآثارها الكارثية على الأجيال.
إن إصلاح تلك الملفات الهامة والحيوية يتطلب وبخط موازٍ جهوداً حقيقية لمكافحة الفساد والإفساد في الوزارات والمؤسسات الحكومية، والقضاء على الاحتكار، واستعادة الحكومة للمبادرة، أو الاعتذار سريعا عن القيام بأي إصلاح بعد تبيان الأسباب المعرقلة إذا وجدت أنها لا تمتلك ادوات لإصلاح تلك الملفات الحيوية.
نعلم أنه قد اتسع الفتق على الراتق وبات لزاما على الفعاليات الإقليمية والدولية التدخل للمساعدة في انتشال البلاد من الوضع الكارثي الذي تعيشه حتى لا نصل إلى مرحلة فوضى يصعب معها العمل على إيقافها.