صباح الخير
محمد فؤاد راشدقد يستغرب الكثيرون من عنوان مقالتي ... ولكن إذا أمعن القارئ فيه سيجده يحمل معاني ودلالات عديدة.المهم هنا أن البيئة الأسرية تلعب دورا مهما جدا في تحديد نوعية السلوك والمشاعر وكيفية التعاطي والتفاعل معها سواء من الأسرة أو الأبناء ناهيك عن الخصوصيات الأخرى. إنها للحظات مؤلمة عندما يدرك أبناؤنا أنهم يعيشون في بيوت تحيط بها جدران من جليد وتختلط مشاعر العوز والحرمان ببرودة النسيان والكتمان ولامبالاة آبائهم !! ما الذي يريدونه ويحتاجونه؟حاجة أولياء الأمور ليست مجرد عدم توفر المادة بل يندرج ضمنها الاحتياج النفسي والعاطفي حين تفتقر الأسر للدفء والراحة والانسجام بين الزوجين من جهة والأبناء من جهة أخرى خصوصا في أيامنا هذه والتي للأسف أصبح الأهل فيها لا يعيشون الواقع بحلوه ومره بل يفتقدون للثقة والشجاعة لمواجهة هموم ومشاكل الدنيا.إنها لدنيا خاوية من الحس والوجدان و قد يتفاقم الوضع ليجد هؤلاء البراعم الصغيرة أنفسهم مرميون على أرصفة الطرق وأزقة الشوارع المظلمة يبحثون عن جذع شجرة أو جدار دافئ شبه مهدم والغرض كله هو إيجاد دفء يعوضهم عن قسوة هذا البيت والذي شبهته بالجليد لأنه يفتقد لأجمل وابسط شيء وهو الدفء العائلي الطبيعي.
يعيش العديد من الأسر في كنف هذه المنازل المعمرة على أعمدة وحجارة من جليد واعني بالجليد الجمود في التعامل والتفاهم والتناغم الذي افتقدته هذه الأسر.وإذا ألقينا نظرةً على حال الأسرة المسلمة في هذا العصر، نجد أنها قد هبت عليها رياح التغيير، وتسلَّلت إليها الأدواءُ الفتاكة، فأصبحت تعيش في جو مملوء بضباب التباعد بين أفرادها الذين يعيشون حياةً جافَّة بعيدة عن الجوِّ الأسري الحميم القائم على التعاطُف والحنان والمشاعر القلبية الصادقة، والاحترام المتبادل، وطفا على السطح الأسري العناد والجفاف العاطفي، وأصبح الزوجان يعيشان كخصمين في حلبة مصارعة، ينتهز كل طرف منهما الفرصة؛ ليسدد للطرف الآخر الضربات القوية واللكمات الموجعة، التي اختفى معها الدفء الأسري، والروابط الحميمة التي ظلت عمادالأسرة المسلمة، ومصدر قوتها وعزتها في العصور السالفة.فالإعلام الجارف الموجه في هذا العصر من تلفازٍ، وفضائيَّات، وكمبيوتر، وإنترنت، استحوذ على وقت الأسرة، وبدلاً من أنْ يقضي أفراد الأسرة معا جزءًا من وقت فراغهم في التحاوُر والمناقشة، جذبتهم هذه الوسائل الإعلامية غير الهادفة أمامها لساعات طوال، متباعدين نفسيا وعاطفيا وفكريا، كُلٌّ مشغول بعالمه الخاص، صامت لا يحدِّث الآخر أو يستمع إليه، مبهورًا بما يرى ويشاهد أمامه، وظهر ما عرِف بإدمان التلفاز والكمبيوتر والإنترنت، الذي شغل الكثير من أوقات الأزواج والزوجات والأبناء، فهناك دراسة قام بها فريقٌ من الباحثين الأمريكيين عن أثر وسائل الإعلام على الروابط الأسرية، كان من أبرز نتائجها تناقُص التواصل الأسري بين أفراد الأسرة، وتضاؤل شعور الفرد بالمساندة الاجتماعية من جانب المقربين له، وتناقُص المؤشرات الدالة على التوافق النفسي والصحة النفسية.فعسى أحبتي في يوم ليس ببعيد أن تخترق أشعة الشمس الساطعة لتذيب هذا الجمود والتجمد الأسري ليعيد الاشراقة والدفء والحب والتواصل بين كنف العائلة ونعيش اللحظات والأوقات بكل ما تحمله الكلمة من معنى !!والحل في أيديكم ..ودمتم سالمين
