كان جارالله عمر – رحمه الله – منطقة ثرية وآمنة يلتقي عندها الفرقاء, وتجمع النقائض في ضفتي السياسة والأحزاب على قواسم وطنية وإنسانية لخصها أو كثفها الرجل في شخصه وحالته المخضرمة, التي قدمت لنا وللتجربة اليمنية صورة الرمز التواق إلى حوار العقول والأفكار.. حتى وهب روحه آخر الأمر, ثمناً باهظا وشريفاً ,, إذ اغتاله حوار آخر وليس شريفاً بالمطلق .. حوار الرصاص والبارود.صعد جارالله عمر على براق الشهادة إلى جوار الله وفي سماء السيرة اليمنية المعاصرة صعد نجمه كرمز حي يقدم ذكرى دائمة مزدحمة الدلالات المشيرة إلى عظمة البساطة .. وبساطة العظمة, حينما تجسدها ظاهرة عقلية وإنسانية مكتنزة الإيمان بأفضلية الكلمة على الرصاصة وأسبقية الحوار على الفوضى والقطيعة والصخب الأعمى.مُهندس وعرَّاب مشروع «اللقاء المشترك» – الذي أراده حاضنة حوار وموئل حياة تهزم القطيعة وتؤسس لحياة سياسية وحزبية جديدة, ومبرأة من عنف الثأرات وعنف التناحر بالقطيعة بين كوكتيل الفرقاء الأضداد – سقط في فعالية مشهورة استضافه إليها أحد أحزاب اللقاء المشترك.واليوم .. قد حلت ذكراه الخامسة يعيد الفرقاء إنتاج الخطأ المركب من خلال مفارقة مبدئية وثوابت وحوارية / جارالله عمر, بما هو رمز والاقتراب أكثر وأكثر من الحالة العنيفة المدججة بالسلاح والرصاص والبارود التي نالت من / جارالله واغتالته في اللحظة المشهودة – الأولى.لم يكن ليسعد / جارالله عمر , بتاتاً احتشاد عشرات قيادات «المشترك» إلى ذكراه الخامسة محوطين بمئات المسلحين ومئات الرشاشات «الكلاشينكوف» والبنادق والأحزمة المعبأة بالرصاص والموت .. تماماً كتلك التي استقرت في جسد / جارالله عمر وأردته!.فهل أراد هؤلاء التذكير بالجاني الذي لايزال كثيراً .. ومدججاً؟! أم تناسوا حرمة الشهيد والمبادئ السلمية والمدنية والإنسانية التي آمن بها وعمدها بدمه؟.أم تراهم كانوا يتمنطقون اللاوعي إلى ذكرى خامسة السنوات على اغتيال داعية الحوار ورجل البساطة ورمز العقلانية؟ّ.من عجيب المغالطات وغريبها أن تتحول شوارع وأزقة مدينة دمت إلى ثكنة عسكرية مغلقة على اللقاء المشترك في مهرجان رفضت الأحزاب المعنية بفعاليته – بتشدد – أن تتولى أجهزة الأمن في السلطة المحلية حمايته وحراسة جموعه آخذة هي المهمة التي تتطوع لها نيابة عن السلطات الأمنية الرسمية!.وكان مشهد كهذا الذي أعاد المشترك تمثيله على مسرح مهرجان الذكرى الخامسة لاغتيال / جارالله عمر في دمت, كافياً للتذكير بالمشهد الأول ساعة اغتيل الرجل بفضل تشدد حزب «الإصلاح» في رفض إعطاء وتسليم المهام الأمنية لأجهزة الأمن, وتطوعه للمهمة بنفسه لتحدث الفاجعة, فهل فات ذلك مشتركي مهرجان دمت؟! أم أن التكرار في عرفهم لازم,.بالضرورة لإفهام وتعليم وتلقين الشطار الذين تهزمهم الشطارة؟! وكم هو الفارق بين صاحب الذكرى وهو داعية السلام وعدو العنف والسلاح .. وبين مؤبنيه الذين شهدوا مأتمه مدججين بأنواع الأسلحة والبنادق والمظاهر المسلحة؟ ومع ذلك يحدثونك عن النضال السلمي بالمناسبة ذاتها! أليس جارالله أبعد ما يكون اليوم عن .. جيران « المشترك» أو «السلاح»؟!.شكراً لأنكم تبسمتم.
جارالله .. وجيران السلاح !!
أخبار متعلقة