[c1]أميرة كشغري*[/c]لا أخفي إحساسي ومشاعري بالاعتزاز والفخر لما حققته المرأة الخليجية في مجال المشاركة في الحياة العامة. منبع هذا الإحساس هو التقدم الذي استطاعت المرأة الخليجية الوصول إليه والإنجازات التي حققتها خلال مدة قصيرة نسبياً في عمر الزمن ، وإن لم يكن في عمر الأفراد بكل تأكيد. فبالرغم من كل التحديات والصعوبات التي تواجه المرأة الخليجية إلا أنها تمكنت خلال السنوات الأخيرة من تحقيق العديد من المكاسب السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فقد استطاعت المرأة الوصول إلى بعض المناصب القيادية العليا والمواقع ذات التأثير والسلطة في مجالات ظلت لحقبة غير قصيرة حكراً على الرجل. أذكر هنا على وجه المثال تولي المرأة في البحرين والكويت والإمارات وعمان وقطر لحقائب وزارية مختلفة بعضها (كوزارة التخطيط والتنمية الإدارية في الكويت أو وزارة الاقتصاد في الإمارات) يغطي مجالات ليس لها علاقة مباشرة بما تعارفنا على أنه "مما يتواءم مع طبيعة المرأة". كما لا نغفل في الوقت نفسه تولي المرأة الخليجية لمناصب قيادية أخرى في المجال التعليمي ومجال الأعمال وغيرها من المناصب ذات التأثير وصنع القرار. لا أدري أهو شعور بالفخر والاعتزاز بالمرأة الكويتية وهي تحقق إنجازا تاريخياً بخوضها انتخابات عضوية مجلس الأمة، أم هو شعور بالغبطة والأمل لنا نحن معشر النساء في المملكة،أم الاثنان في آن واحد. بالتأكيد هو شعور بالعدالة والمساواة الإنسانية التي تستحقها المرأة (كما يستحقها الرجل) في كل العالم الذي لعبت فيه الثقافة الذكورية عبر التاريخ دوراً في تشكيل وعي مجتمعي يكرس التعسف ضد المرأة في مختلف الأبعاد والمستويات مما أدى إلى خلق وعي وقناعة لدى المرأة ذاتها بأن دورها هو ما يحدده لها الرجل ضمن هذه الثقافة. عند التطرق إلى إنجازات المرأة الخليجية وحضورها الذي بدأ يأخذ بعداً أكبر خاصة في المجال السياسي، لا بد من الوقوف أمام بعض الحقائق المهمة. أول هذه الحقائق هو دور الحكومات في دول الخليج في مساندة المرأة والاهتمام بقضاياها اهتماماً ملحوظاً. هناك العديد من المبادرات والإجراءات التي اتخذتها الحكومات من أجل دفع المرأة الخليجية للمساهمة والمشاركة الفعلية في الحياة العامة. لكن، وبالرغم من تلك الجهود، فإن الواقع القائم لوضع المرأة ما زال بعيداً نسبياً عن المأمول، مما يعني بالضرورة أن هناك عوامل أخرى ما زالت أقوى تأثيراً أدت إلى الحيلولة دون بلوغ الهدف المنشود.
ويبرز العاملان الاجتماعي والثقافي باعتبارهما أهم هذه العوامل. إن تأثير البيئة الاجتماعية والثقافية بمكوناتها المختلفة من عادات وتقاليد وأعراف يعتبر غير حاضن لانطلاقة المرأة في المجتمعات الخليجية وغير مشجع على إحداث التغيير المطلوب. لذا فإن أي تطوير وتحديث في مجال عمل المرأة أو مشاركتها في المجتمع لا بد أن ينطلق من تطوير وتحديث شامل ومواكب في البيئة الاجتماعية والثقافية للمجتمع في كافة عناصرها ومكوناتها. انطلاقاً من هذا العامل لا بد لنا من الوقوف (والإشادة) أمام مشاركة المرأة في مجالات مختلفة في المجتمع لم تعد تواجه فيها عوائق من ثقافة المجتمع السائدة. من هذه المجالات التي شهدت مشاركة واسعة للمرأة مجال العمل في الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني وقطاع الأعمال ومجال الإعلام وإن كان الأخير مازال يواجه شيئاً من الضغوط الاجتماعية، وبخاصة في الإعلام المرئي. من الضروري، ونحن نعرض للعوائق الاجتماعية، تكرار الإشارة إلى أن الدين الإسلامي لم ولن يقف عقبة أمام انطلاق المرأة الخليجية، فالمرأة في صدر الإسلام شاركت الرجال في اقتباس العلم، وخدمة المجتمع، فكان منهن راويات للأحاديث النبوية وفقيهات وعاملات في الأسواق وطبيبات وممرضات وشاعرات، وغير ذلك. العجيب في الأمر اليوم أن بعض من يقولون بعدم مشاركة المرأة في المجتمع يطالبون المرأة بالاحتذاء بأمهات المؤمنين في الواجبات ويحجبن هذا المبدأ عندما تطالب المرأة بحق أو صلاحية. إن كل من يستخدم الدين ليحارب مشاركة المرأة في الحياة العامة إنما ينطلق من أفكار وتأويلات بشرية تعبر عن مفهومه لأحكام الدين وليس بالضرورة تعبيراً عن جوهر الدين الإسلامي الذي أعطى المرأة مكانها في المجتمع وقرر لها من الحقوق والواجبات ما كان مثار دهشة وعجب لدى الجميع وكان ثورة في المجتمع آنذاك. وتؤكد الممارسة الفطرية للأفراد هذه المقولة عندما نلحظ - وبكل جلاء - أن من يعترض على مشاركة المرأة السياسية يصبح بين عشية وضحاها في مقدمة من يستخدمها لخدمة قضاياه السياسية بكل صورة إذا ما اقتضت ظروف اللعبة السياسية. وليس أدل على ذلك مما يحدث الآن في الكويت بعد أن نالت المرأة حق التصويت والترشيح إذ بدأ الرجال الذين وقفوا ضد قرار حق المرأة في المشاركة السياسية في السعي لكسب صوتها لتحقيق الفوز في الانتخابات. وكأنهم بذلك لا يمانعون من الاستفادة من هذه الأصوات النسائية وربما يدفعون بنسائهم للمشاركة في التصويت لصالح كتلهم وتجمعاتهم السياسية. وهذا هو الواقع المشاهد في جميع أحزاب الإسلام السياسي التي لا تمانع من مشاركة المرأة السياسية عندما يصب ذلك في خدمة مصالحها الحزبية ضمن نظام الانتخابات الديموقراطية.ولعله من المهم أيضاً ونحن نحتفي بإنجازات المرأة الكويتية في دخول الانتخابات البرلمانية أن نشدد على مقولة سادت في مجتمعنا حتى باتت من الأمور التي نرددها دون تفكير في أساسها المنطقي وهي أن هناك قضايا وشؤوناً (في المجتمع) خاصة بالمرأة لها أن تشارك فيها (دون غيرها من القضايا) بالرأي والمشورة. هذه في الحقيقة من المقولات الخطيرة (والخاطئة) التي تكرس أنساقاً معينة من الفكر والثقافة تقف ضد كون المرأة إنسانا كاملاً متفاعلاً في المجتمع الذي يعيش فيه وهي بذلك مخلوق بعيد عن المجتمع وليس له من رأي فيما يدور حوله إلا فيما يخص أمور الأسرة وملحقاتها من الطلاق والزواج والأطفال. ترى هل المرأة وحدها من يكوّن الأسرة لتكون قضيتها وحدها دون الرجل؟ وهل هي فقط وحدها من له علاقة بالزواج والطلاق وإنجاب الأطفال؟ أليس الرجل هو أيضاً شريك في كل هذه القضايا، فلماذا تقتصر على النساء دون الرجال؟ ثم لماذا لا تكون المرأة أيضا مهتمة بقضايا الاقتصاد والتنمية والتجارة والمال وقضايا الحرب والسلم، وهي من يتأثر بكل هذه الأمور بشكل مباشر أو غير مباشر؟ إن المنطق السوي يقول لا قضية اجتماعية تخص الرجل وحده دون المرأة أو تخص المرأة وحدها دون الرجل، كما أن قضايا المرأة لا يمكن فصلها عن قضايا المجتمع، فكل جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية تمس كل أفراد المجتمع رجالاً ونساء. وهذا هو المنظور الذي يجب أن نتبناه لنصل إلى حلول عملية واقعية تتناول قضايا المرأة.الواقع السياسي والاجتماعي في الوقت الحاضر يفرض مشاركة المرأة الخليجية في الشأن العام والشأن السياسي على وجه الخصوص لأن المرأة التي تشكل أكثر من 50 من السكان في دول الخليج أضحت قوة بشرية عاملة ومنتجة لا يمكن إغفالها في التنمية. بعض الدول الخليجية أعطت المرأة حقها السياسي ولكنها لم تفز بمقاعد في الانتخابات وذلك لأن المنظومة الثقافية لم تتقبل فكرة دخول المرأة هذا المجال. فمن المسلم به أن الظروف الاجتماعية تجعل هذه المشاركة بطيئة بعض الشيء. ولكن كل هذا لا يعني عدم الإقرار بحقيقة أن المرأة اليوم أكثر وعياً وحماساً للعمل نتيجة لارتفاع المستوى التعليمي ونمو الوعي الاجتماعي عموماً وازدياد نشاطها الاقتصادي والاجتماعي بشكل خاص. وحتى نصل إلى الأهداف المنشودة يظل المطلب الأول هو وضع القوانين الداعمة والمحفزة لمشاركة المرأة، وإعطاء المرأة الضمانات المقننة لحماية حقوقها في ظل الثقافة الاجتماعية السائدة التي تضع العقبات أمامها. المرأة مؤهلة وقادمة لا محالة. هذه سنة الخالق، جلّ وعلا، ولن تجد لسنّة الله تبديلا.* نقلا عن جريدة "الوطن" السعودية

المرأة الخليجية حققت الكثير مجال المشاركة في الحياة العامة