الجماهير التي خرجت اليوم في مختلف ميادين الجنوب، ولاسيما في ساحة العروض خورمكسر، بعشرات الآلاف، لم تخرج بقرار وزير، ولا ببيان مسؤول، ولا بتحريض جهة تنفيذية، بل خرجت بإرادة شعبية صريحة تطالب بالاستقلال، وتعلن بوضوح أن مرحلة الوصاية السياسية قد انتهت، وأن الشرعية الحقيقية تُستمد من الناس لا من الاتفاقيات المؤجلة.
الحديث عن “وحدة القرار” و“حماية المركز القانوني للدولة” يصبح بلا مضمون حين يتجاهل مركز الثقل الحقيقي: الإرادة الشعبية. فلا اتفاق الرياض، ولا إعلان نقل السلطة، ولا أي مرجعية انتقالية، يمكن أن تصمد إذا كانت تتعارض مباشرة مع المزاج العام، ومع قضية عادلة يحملها شعب كامل منذ عقود.
إن تصوير مطالب الاستقلال الجنوبية على أنها “تجاوزات” أو “تهديد للسلم الأهلي” هو قلب للحقائق؛ فالتهديد الحقيقي يكمن في الاستمرار بتجاهل صوت الشارع، ومحاولة إدارة الجنوب بعقلية الوصاية، وكأن الزمن توقف ولم تتغير المعادلات.
أما الحديث عن “مكاسب القضية الجنوبية”، فلا يستقيم؛ فالقضية الجنوبية ليست منّة سياسية، ولا مكسبًا مؤجلًا على طاولة التسويات، بل حق أصيل لا يقبل المقايضة ولا الإرجاء، ولا يُختزل في بيانات أو توازنات مرحلية.
ختامًا، ما يجري اليوم في الجنوب ليس هرجًا ولا ضحكًا على الذقون، بل إعلان سياسي شعبي بأن زمن الالتفاف على الإرادة الجنوبية قد انتهى، وأن أي مشروع دولة لا يعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها، يظل مشروعًا مؤقتًا مهما طال عمره، فالحشد الجماهيري يؤكد أن الشارع قد قال كلمته.. ولا شرعية تعلو فوق الإرادة الشعبية.
