
التحسن الأخير في قيمة العملة الوطنية أعطى انطباعاً بوجود بارقة أمل، إذ تراجع سعر الريال السعودي من 750 ريالاً يمنياً إلى 428 ريالاً فقط، وهو ما يجب أن يعني انخفاض أسعار السلع المحلية والمستوردة بنسبة تقارب 49 %، هذا الأمر انعكس على الأسواق وأثار مطالبات واسعة بتخفيض أسعار المواد الغذائية والأدوية وسائر السلع الاستهلاكية. غير أن هذه الإيجابية الظاهرة تخفي خلفها (أزمة أخرى)، فخفض الأسعار بهذا الحجم بالضرورة سيؤدي إلى إعادة تقييم الضرائب والرسوم الحكومية المختلفة، من الضرائب التجارية والعقارية والزكوية، إلى رسوم التراخيص والمهن والخدمات المحلية مثل رسوم النظافة والبلديات، ما يخلق فجوة مالية كبيرة ستصيب الحكومة المركزية والسلطات المحلية على حد سواء.
النتيجة المباشرة لذلك ستكون تقلص موارد الدولة وتجميد الكثير من مشاريع البرامج الاستثمارية للمؤسسات العامة، بسبب تراجع حجم التحصيل المالي وتقلص القدرة على تمويل الموازنات. وهنا تجد الحكومة نفسها أمام مفترق طرق: إما الاكتفاء بإجراءات مؤقتة تزيد من أعباء المواطنين، أو الانخراط في إصلاحات جذرية تنقذ الاقتصاد وتعيد الثقة للدولة وتخرج المواطن من حالة عدم اليقين.
في قلب هذه الإصلاحات يبرز النفط والغاز كخيار استراتيجي لا غنى عنه، بأن استئناف تصديرهما وفق عقود عادلة وجديدة يمثل المصدر الأهم لإعادة التوازن المالي والنقدي، كما أنه يوفر قاعدة صلبة لدعم العملة الوطنية وتمويل مشاريع التنمية. ولا تقل عنه أهمية، استعادة عمل مصافي عدن بكامل طاقتها، بما سينتج عنه تقليص الاستيراد لمشتقات النفط.
الحرب على الفساد باتت ضرورة لا يمكن تأجيلها، وهي حرب يجب أن تكون حقيقية وشفافة يلمس المواطن نتائجها من خلال محاكمات علنية واسترداد اموال منهوبة، لا مجرد وعود فضفاضة، وعودة سردية بفتح صفحة جديدة لفساد جديد.
وإلى جانب الاقتصاد ومحاربة الفساد، يظل الأمن والاستقرار الشرط الأساسي لنجاح أي إصلاح. لا يمكن الحديث عن اقتصاد قوي أو استثمارات في ظل انقسام الأجهزة الأمنية وتعدد الولاءات. لذلك، فإن توحيد هذه الأجهزة تحت مظلة وطنية واحدة بعقيدة واضحة وولاء مطلق للدولة والدستور يشكل الضمانة الوحيدة لبناء استقرار مستدام وحماية القانون.
إن المستقبل أمام سيناريوهين متناقضين: إما النجاح في المضي بهذه الإصلاحات حتى نهايتها، وهو ما سيقود إلى استقرار اقتصادي وسياسي يفتح الباب لإعادة الإعمار وجذب الاستثمارات، أو الفشل في استكمالها، وهو ما سيقود إلى انتكاسة قاسية تجعل المواطن يترحم على زمن كان فيه الريال السعودي يعادل 750 ريالاً يمنياً، باعتباره أخف وطأة مما قد يحمله المستقبل إذا استمر التراجع.
الفرصة في ظل رغبة ودعم دولي وإقليمي لا تزال قائمة، لكنها تضيق يوماً بعد آخر. المعركة الحقيقية ليست فقط في الأسواق أو البنوك، بل في الإرادة السياسية لمواجهة الفساد، وتوحيد الأمن، وإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة. فإما أن نغتنم هذه اللحظة لبناء دولة مستقرة واقتصاد متين، أو نتركها تضيع فنجد أنفسنا أمام هاوية لا عودة منها.