
أنا لم أؤذِ أحدا. كنت ولازلت أسير بين الناس بسلام، أفتح لهم قلبي، وأحمل لهم حسن النية.
لم أتعمد يوماً أن أجرح أحدا أو أن أضع عثرة في طريقه. ومع ذلك، وجدت نفسي وسط كمائن تنصب لي في العتمة، وضربات تتوالى على رأسي كأنها لعنة لا تنتهي.
كلما نجوت من مكيدة، خرجت من زاوية أخرى مكيدة أشد، كأنما قدري أن أظل مطارداً من مجهول لا يريد لي أن أتنفس.
الثقة عندي لم تكن ضعفا، بل كانت خيارا. كنت أؤمن أن القلوب البيضاء تستحق فرصة، وأن الناس يمكن أن يكونوا أوفياء كما كنت وفياً لهم، لكنني اكتشفت أن الطيبة في زمن قاسٍ كهذا تتحول إلى نقطة ضعف، وأن الصفاء الذي أحمله في صدري صار سلاحاً سهلاً يوجهه الآخرون ضدي.
الظلم حين يقع عليك، لا يسلبك قوتك فقط، بل يسلبك يقينك بالآخرين. يجعلك تراجع كل خطوة، كل كلمة، كل نظرة، كأنك أنت المذنب، بينما الحقيقة أنك الضحية. يوجعك أكثر أن من حولك لا يرون هذا النزيف الخفي، أو يرونه ويصمتون، وكأن الأمر لا يعنيهم.
يااااارب، أنا كمن يقف على حافة جرف، ينظر إلى الأسفل فلا يرى إلا ظلاماً، وإلى الأعلى فلا يلمح سوى سماء بعيدة. لا حول لي ولا قوة، سوى يقيني أنك عادل لا ترضى بالظلم، وأن الحق وإن اختبأ طويلاً سيعود يوماً إلى العلن.
الظلم يوجعني، نعم، لكنه لم يكسرني بعد. ما زلت واقفا رغم التعب، وما زلت أقاوم رغم الانكسارات. لأنني أعلم أن القوة ليست أن ترد الضربة بضربة، بل أن تبقى واقفاً رغم أن هناك من ينتظر سقوطك.
قد يظن من ظلمني أنه انتصر، لكنه خسر أكثر مما يتصور. خسر راحته، خسر نقاءه، خسر صورته أمام نفسه.
أما أنا، فحتى لو نزفت طويلا، فإنني ما زلت أحمل قلباً نقياً، وما زلت أرفض أن أكون نسخة مشوهة ممن تعمد أذيتي.
وسأقولها بمرارة وصدق، وقع علي ظلم جائر، وأنا لم أؤذِ أحدا. لكنني أحتسب وجعي عند الله، وأمضي.
فالحياة علمتني أن الجرح الذي لا يقتلني، يمنحني شكلاً جديداً من القوة، وأن البكاء الذي يملأ وسادتي في الليل، يعلمني كيف أبتسم في النهار.