
الحقيقة التي يجب ان تقال اليوم ان عدن هي المدينة الوحيدة التي تحكمها سلطة محلية معظمها لا تنتمي لشارعها ومجتمعها ونسيجها الثقافي والفكري، بل نصيبها منذ الاستقلال من المستعمر ان يحكمها غرباء على طبيعتها، فيديروها بطبيعتهم.
عدن العاصمة، والمركز السياسي والاقتصادي، وهذا يتطلب فهما ودراية عميقة بدور هذا المركز في التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي فهي نموذج السلطة وملامح وجهها امام المجتمعات المحلية الاخرى، بل انها الوجه الرئيسي للسلطة المركزية امام العالم.
عدن حباها الله بموقع ومكانه عالمية، وطمع بها النظام الاستعماري، ورغم استغلاله لموقعها في خدمة اجنداته، الا أنه ساهم في تطور حركة التجارة منها وإليها، وهي الحركة التي تسهم في تلاقي الثقافات والاعراق والاطياف والاديان، وتجمعهم مصالح مشتركة، مما يسهم في احداث تلاقح فكري وثقافي ينمي المجتمع ويطور من العلاقات ويكسر حواجز التعصبات، ويسهم في الانفتاح على الجميع، انفتاحاً يفضي لاحتياجات مهمة على راسها نظام وقانون ضابط يضبط تلك العلاقات وينصف الجميع.
هذه طبيعة عدن ومن لا يتفهمها يقع في المحظور، ووقعت السلطات المتعاقبة في كثير من الاخطاء والخطايا في التعامل مع عدن، والبعض اعتبرها غنيمته، وتعامل معها كمزرعة من مزارع منطقته، هو الحاكم ومجتمع عدن الرعية، واستجلب معه ما يحرس هذه المزرعة ويحمي سلطته فيها، ويحافظ على بقائه سيدا متسلطا، وبالتالي كانت النتائج وما زالت غير حميدة، جعلت من الحراس متسلطين وطامعين، والنتائج تفاقمت حتى وصلت لما وصلت اليه عدن اليوم.
اليوم يخرج ابناء عدن رافضين ما تتعرض له مدينتهم من انتهاكات جسيمة، كانت نتائجها اليوم انها لا كهرباء ولا خدمات، لا تعليم ولا تطبيب، بل فقد ابن اعدن حق المواطنة، وبدأت نغمات سلبه هويته العدنية، واصبحت المدينة مستباحة على اعتبار انها عاصمة للجميع، متناسين ان عدن مدينة لها هويتها الثقافية والاجتماعية، وهي الروح التي سكنت جسدا احب عدن وعشق طبيعتها، وان لم يكن من نسل ذلك الصياد الاول، لكنه اندمج مع روح نسيجها وإرثها وتنوعها الجميل، وصار جزءا اصيلا منها، سكنها وسكنته، وخلف فيها روحه واثره واسرته، حتى صار عدنيا ابن عدني، وليس كل من قدم لعدن وسكنها، فسكنته عدن، فالبعض سكنها في مقاطعات خاصة تمارس حياتها بطبيعتها الخاصة والتي لا تشبه عدن.
اليوم المدينة الوحيدة التي ان انتفضت وثارت على واقعها المحزن، تواجهها قوات مدرعة ومسلحة، تحت حماية السلطة، وهذا بحد ذاته شيء محزن، لان تلك السلطة لم تتفهم الشارع العدني، ولا يوجد لديها من هو اقرب لهذا الشارع والتفاهم معه، ومع احترامنا للجميع، في مثل هذه الازمات تتكشف معادن الناس، وتصمت تلك الاصوات التي تدعي انها تمثل عدن، وهي لا تمثل عدن، من يمثل عدن هم تلك الشريحة الفقيرة التي ما زالت تحلم بعدن والشباب المتطلع لاستعادة عدن لدورها.
اليوم يتم قمع الشباب الذين خرجوا للشارع مطالبين بحياة كريمة، حتى وان ارتكبوا بعض الاخطاء فعلى السلطة ان يكون لديها صدر واسع وقدرة فائقة في التعامل مع الغاضبين، ولديها ادوات التفاهم، وتقدم ما يرضي الناس، لا ان تتجاهل مطالبهم التي طال امدها، ثم تفكر بعقلية القمع، وارضاخ المجتمع للاستسلام لسلطة الامر الواقع، وهذا من المستحيل، ستكون مآلاته وخيمة على السلطة، ولنا في التجارب الحديثة دروس وعبر، هل استوعبتها سلطات الامر الواقع، القادم من ساحات الثورة لمنصات السلطة، وتعرضت للقمع واليوم تمارسه بعنوة، ولله في خلقه شؤون!!