ما يحدث في كهرباء عدن ليس أزمة بل فشل مكتمل الأركان تتحمل مسؤوليته الحكومة دون مواربة. فلم تعد أزمة الكهرباء في المدينة خللًا فنيًا عابرًا أو ظرفًا طارئًا يمكن تبريره، بل تحولت إلى عنوان دائم لفشل إداري وتقصير حكومي واضح، يدفع ثمنه المواطنون يومًا بعد آخر. وتُعد محطة توليد كهرباء المنصورة (70 ميجا) أحد أبرز الشواهد على هذا الإخفاق المستمر.
تُعتبر محطة المنصورة ركيزة أساسية في منظومة التوليد الكهربائي للعاصمة عدن، بعد محطة عدن الجديدة (محطة الرئيس) بقدرة 264/240 ميجاوات، ومحطة الطاقة الشمسية بقدرة 120/70 ميجاوات، إذ تتراوح قدرة محطة المنصورة التوليدية (حالياً) بين 48 و60 ميجاوات بعد توقف المولد رقم 3 نهائيا، وتعمل المحطة بوقودي الديزل والمازوت، ما يجعلها محطة استراتيجية لا تحتمل الإهمال أو سوء الإدارة.
ورغم هذه الأهمية، شهدت المحطة مؤخرًا مغادرة فريق الصيانة التابع لشركة «ورسيلا» بعد فترة طويلة من العمل والانتظار داخلها. هذا الفريق، الذي وفّرت له مؤسسة كهرباء عدن السكن والعيش الكريم داخل أسوار المحطة لتقليل تكاليف الإقامة، بذل أقصى جهوده بالتعاون مع قيادة مؤسسة كهرباء عدن، في ظل ظروف قاسية وإمكانات محدودة، إلا أن الحكومة عجزت مجددًا عن الإيفاء بالتزاماتها التعاقدية، وفشلت في توفير قطع الغيار اللازمة في الوقت المحدد، ما اضطر الفريق إلى مغادرة الموقع والبلاد، وترك المولدين (1 و6) دون استكمال أعمال الصيانة والتأهيل.
وجاءت النتيجة كارثية، بخروج ثلاثة مولدات رئيسية (1 و3 و6) عن الخدمة، وفقدان قدرة توليدية تتراوح بين 24 و30 ميجاوات، ليس بسبب عطل تقني جسيم، بل نتيجة سوء إدارة العقود وعدم الالتزام بالتعهدات مع شركات متخصصة.
وما يحدث في محطة المنصورة ليس حالة استثنائية بل تكرار لمشهد مأساوي سبق أن شهدته محطة الحسوة. فهناك تم التعاقد مع خبراء أوكرانيين لصيانة التوربينات والغلايات ومنظومات تقطير المياه، لكن القصة انتهت بالطريقة ذاتها: تعثر حكومي، التزامات لم تُنفذ، وفريق متخصص غادر بعد معاناة طويلة دون تحقيق النتائج المرجوة. واليوم لم يتبقَ من محطة الحسوة ذات التوربينات الخمسة سوى توربين واحد يعمل بقدرة محدودة لا تتجاوز 25 إلى 35 ميجاوات.
وإذا انتقلنا للحديث عن المحطة القطرية، فإن الصورة لا تبدو أفضل حالًا. فقد خرجت خارج الوطن توربينات المحطة للإصلاح منذ نحو ثلاث سنوات، ولم تعد إلى الخدمة حتى اليوم، دون أي توضيح رسمي أو مساءلة معلنة. محطة كانت ترفد الشبكة بقدرة تتراوح بين 46 و50 ميجاوات، اختفت ببساطة من المشهد، وكأنها لم تكن يومًا جزءًا من الحل، ولا أحد يشرح للرأي العام أين توقفت القصة ولماذا طال الغياب.
وما يزيد الأمر إيلامًا أن محطات التوليد هذه، وعلى رأسها المنصورة والحسوة، تعاني كذلك من التوقف المتكرر بسبب عدم انتظام تزويدها بالوقود، رغم اعتمادها على وقود المازوت، الذي يُعد من أقل أنواع المشتقات النفطية تكلفة. فكيف يمكن تبرير عجز الحكومة عن توفير وقود منخفض التكلفة لمحطات تمثل شريانًا حيويًا للمدينة؟
هذا الطرح ليس هجومًا بقدر ما هو عتاب صريح ومباشر على غياب التخطيط، وسوء إدارة العقود، وعدم احترام الالتزامات، والاستخفاف بحجم المعاناة التي يكابدها المواطن يوميًا نتيجة هذه الإخفاقات. فالكهرباء ليست رفاهية، ومحطات التوليد ليست مشاريع هامشية، وأي تقصير فيها ينعكس مباشرة على حياة الناس واستقرارهم والاقتصاد العام.
لقد آن الأوان لأن تتحمل الحكومة مسؤولياتها كاملة، وأن تتعامل مع ملف الكهرباء بوصفه أولوية وطنية لا تقبل التأجيل أو المعالجات الشكلية. فالتجارب أثبتت أن ثمن التقصير لا يُدفع في مكاتب ومنازل المسؤولين، بل في بيوت المواطنين وأرزاقهم، تحت حرارة خانقة وظلام لا ينتهي.
فالصيف قادم لا محالة، واستغلال انخفاض الأحمال من حسن الفطن، والتفكير بالاستغناء عن التوليد التوربيني دفعة واحدة ينم عن عدم فهم ماهية الاستقرار الفني لإمدادات التيار الكهربائي في خطوط نقل التيار، والذي لا توفره محطات الشمس والرياح مطلقا.
