يجري الحديث مرارا عن دور البنك المركزي في رسم السياسة النقدية وتنفيذها. كان الانهيار المتسارع للعملة الوطنية هو مبعثها غالبا، وكانت التداعيات المحتملة على حياة الناس هاجسا مقلقا لي ولغيري من الناس الذين لا يتمتعون بالحماية الخضراء والزرقاء وغيرها من العملات التي تذهب بالألباب.
أخيرا حقق البنك المركزي انفراجة، بل نقول منجزا طيبا وفتح كوة صغيرة للأمل بتعافٍ كامل للعملة الوطنية، قد لا تعيد الريال إلى فترة شبابه وعنفوانه ولكنها ربما ستجعله بصحة جيدة تشعر الناس ببعض الأمان المرتجى.
ما حدث كان ينبغي أن يحشد القوم لدعم البنك وتشجيعه على الصمود واتخاذ الإجراءات المرنة والحازمة في آن، وليشعر أنه ليس وحيدا في هذه الجبهة الخطيرة. ولكن بدلا من ذلك انبرى الكثيرون للتقليل من شأن ذلك التعافي وأخذ يبحث عمن كان السبب في ذلك التعافي، وأن البنك قد أهدر كثيرا من العملة الصعبة ومن إجراءات سحب التراخيص ولم تفض إلى النتيجة التي حصل عليها مؤخرا.
مع أنه لا يتم عادة البحث عن أسباب النجاح في أي مجال، لأن النجاح والإنجاز في كل مكان يظهر له ألف أب وألف أُم ويتباهى به الكل، بل وكلٌّ يحاول أن ينسبه لنفسه حتى دون وجه حق، ونستطيع أن ندلل على ذلك بأمثلة. حتى الذي يقوم بطبع الأمر الإداري يعتقد أنه هو بالذات صاحب الفضل، ولولاه لما كان، وحتى لو واحد كان (جازع بالزغط) و (دحش) ذلك الطباع لنسب لنفسه ذلك، لأنه لولا تلك (الدحشة) (ما كانش) الطباع ركز على عمله. وهكذا دواليك لو ظللنا نعدد كل آباء النجاح ونستثني بطبيعة الحال الأب الحقيقي.
لم تقف المسألة عند هذا الحد، فقد ظهر في مجتمع السوشيال ميديا ليس فقط من يشكك بالبنك وإدارته، بل وذلك الفريق الذي يتبنى كل سرديات البنك بالحق والباطل. غالبيتنا يتمنى من كل أعماقه أن ينجح البنك وحتى يحلم لو أن بنكنا يبز كل بنوك العالم، لكننا أيضا نريد من هذا البنك أن يكون شفافا حيال السياسة النقدية وطبيعة الإيرادات وتحصيلها، والجهات التي تعرقل التحصيل وتعرقل إنفاذ القانون المالي، وكشف المضاربين بالعملة، ذلك سيمثل رصيدا للثقة ليس بقدرات البنك المركزي فحسب بل وبالنظام والعمل المصرفي ككل.
وفئة ثالثة في الميديا دأبت على ممارسة التضليل وعقد مقارنات ومقاربات غريبة لم تعملها عندما وصل الدولار إلى حافة الـ 3000 ريال. بدأت هذه البدعة مع تحسن سعر الصرف. على أني لا أريد هنا القول إنها تتبع لوناً سياسياً مناوئاً للون محافظ البنك أو إدارته افتراضا من جانبي لحسن النية. على أنه تلزم الإشارة أن هذه المواقع قد عملت بصورة سلبية في استغلال التعميم الأخير البنك المركزي لتسعير الريال السعودي، والذي اتضح من بيان البنك المركزي أنه مزور، وذهبت أموال الناس إلى خزائن المضاربين بلا حق بغمضة عين.
إن فضح البنك المركزي لطبيعة التعميم المزور لا يعفيه ولا يعفي النيابة العامة من تحريك قضية مستعجلة للتحقيق في الواقعة لتحديد المسؤوليات والتبعات القانونية لها. ومن شأن هذا إن حدث أن يبرئ ساحة البنك من الاتهامات الموجهة إليه بالوقوف خلف التعميم المزور، او التستر عليه كما يذهب بعض المعلقين في محركات البحث. كما أنه سيوضح ان النيابة العامة التي نثق بها إلى أبعد الحدود تعمل بالتوازي لضبط الأمور باستقلاليتها التي حددها الدستور كسلطة قائمة بذاتها لا تنازعها بقية السلطات صلاحياتها.... وللحديث بقية.