مدينة تعز تغرق بمواد مسرطنة تُباع علنًا على أرصفة الأسواق

14 أكتوبر / خاص :
موسى المليكي :
تشهد أسواق محافظة تعز ازدهارًا غير مسبوق لتجارة المواد الغذائية المسرطنة التي تباع للمستهلكين بأسعار زهيدة لا تتجاوز نصف قيمتها الأصلية، رغم قرب انتهاء صلاحيتها أو فسادها الكامل، لتتحول موائد الفقراء إلى حقول ألغام صحية تهدد حياتهم يوميًا.
غزو السموم للأسواق
متخصصون في مجال الأغذية قدّروا نسبة السلع التالفة والمسرطنة في أسواق تعز اليمنية بما يقارب 70 % من حجم التجارة الغذائية داخل مدينة تعز تُعرض بشكل بدائي على الأرصفة تحت أشعة الشمس الحارقة وبين الأتربة ما يضاعف من خطورتها.
ورغم علم الباعة بخطرها، إلا أن الرواج بين البسطاء والفقراء يزداد يومًا بعد آخر بفعل الأسعار المنخفضة.
يقول خالد القريضي من مديرية المسراخ الذي يبلغ الأربعين من عمره يعمل بائعا بهذا المجال منذ 8 سنوات انه يشتري البضائع من مخازن التجار في المدينة عند اقتراب صلاحيتها من الانتهاء «نعرضها بنصف السعر والناس يشترون بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة.. والطلب يزداد كل عام».
الغش والابتزاز التجاري
الأمر لا يتوقف عند الفقراء بل يمتد إلى كبار التجار الذين يمارسون الغش والابتزاز التجاري معًا.
فبحسب تجار جملة يتم تخزين المواد السليمة عمدًا حتى تقترب من التلف ثم بيعها بسعر منخفض لتقليل الخسائر ما يعني أن المستهلك يُحتال عليه في الحالتين: عندما ترتفع الأسعار في السوق أو عندما تُباع له بضائع تالفة.
يؤكد التاجر محمد أحمد الصالحي من مديرية القاهرة بمحافظة تعز «اننا نضطر لبيع الأصناف بهذه الطريقة قبل تلفها فتكاليف النقل والجمارك مرتفعة ونحن لا نريد خسائر لكن المستهلك هو من يدفع الثمن».
الضحايا هم المواطنون الفقراء
المستهلكون في تعز هم الحلقة الأضعف فهم بين نارين إما شراء السلعة السليمة بأسعار مرتفعة لا يستطيعون تحملها أو اللجوء للمواد التالفة والمسرطنة التي تهدد صحتهم وأسرهم.
أما عبده سعيد علي من منطقة المسبح بمديرية المظفر بمحافظة تعز فيلخص المأساة بقوله «ان التجار جشعون لا يهمهم إلا الربح ولو على حساب حياة المواطن المسكين.»
ولكن نجيب عبدالقوي الصالحي شاب ثلاثيني يتردد على سوق المخلولة الشعبي فيروي كلامه بمرارة «أعلم أن البضاعة فاسدة بسبب التخزين لكن أحيانًا أشتريها لأنها رخيصة وحالتنا صعبة ولم نتضرر حتى الآن».
الأحياء الوجهة المثالية للسموم
الباعة المتجولون يستخدمون مكبرات الصوت على متن سيارات أجرة قديمة للتسويق لبضائعهم في الأحياء الأكثر فقرًا داخل مديريات المظفر والقاهرة وصالة. وسوق المخلولة يعد أكبر مركز لتوزيع هذه المواد المسرطنة.
ويتحدث البائع المتجول سفيان علي الحاجبي من مديرية جبل حبشي« بأن الأحياء الفقيرة أفضل مكان للبيع الناس يشترون لأنها تناسب أوضاعهم المادية نحن نربح جيدًا كل يوم».
رقابة غائبة
ورغم خطورة الظاهرة فإن الأجهزة الرقابية في تعز غائبة عن المشهد حيث يكتفي بعض موظفيها بالجباية وترك الأسواق تغرق بالمواد الفاسدة.
يكشف موظف في مكتب الصناعة والتجارة اشترط عدم ذكر اسمه «الجميع يعرف هذه الأسواق لكن الاهتمام الحقيقي يتركز فقط في جمع الأموال أما صحة المواطن فليست ضمن الأولويات».
وتؤكد جمعية حماية المستهلك أن ضعف الثقافة الاستهلاكية وغياب الرقابة فتحا المجال أمام هذه الكارثة حيث يشتري المواطن ما هو رخيص دون أن يدرك أنه يشتري السموم لعائلته.
محاولات خجولة للإنقاذ
خلال الأيام الماضية نفذت لجنة رقابية في مديرية القاهرة حملة ضبط أتلفت عشرات الأطنان من المواد الفاسدة وأغلقت معامل وثلاجات ومطاعم مخالفة. مدير المديرية أحمد المشمر شدد قائلاً: الملف حساس وخطير.. أرباح التجار تتحقق على حساب صحة الناس. نتخذ إجراءات رادعة، لكننا بحاجة لتعاون جميع الجهات لتعزيز الرقابة.
حياة الناس ليست مجالًا للتجارب
نتيجة هذه الفوضى تستقبل المستشفيات في تعز يوميًا حالات تسمم غذائي خطيرة.
يقول الطبيب فؤاد نعمان «أننا نحتاج إلى رقابة صحية صارمة ومحاسبة قانونية مشددة للتجار المتلاعبين.. حياة الناس ليست مجالًا للتجارب أو التجارة .