إسرائيل الكبرى من الحلم التوراتي ـ الديني إلى استراتيجية العمل السياسي والعسكري.. هل تنجح؟!


- المشروع ينطلق من دراسات وكتابات كانت قد طرحت في العقيدة الصهيونية منذ عام 1898م
- الاستهداف لا ينطلق نحو الغرض إلا بعد ما يصل إلى أقصى درجات التصدع والانهيار
- العقل الصهيوني إذا سعى نحو التحرك والتوسع فلماذا يعاني العقل العربي من الارتداد؟!
- الحرب العسكرية في هذا المجال يتسلح فيها الوعي بأفكار تجسد المتخيل في النص المقدس بصورة الواقع المشتعلة

14 أكتوبر/ خاص :
نجمي عبدالمجيد:
إسرائيل الكبرى، إعادة تشكيل جغرافية المنطقة السياسية، شرق أوسط جديد، نهاية حبة سايس بيكو، الفوضى الخلاقة.
عبارات ليست مجرد جمل تطلق في الخطاب الإعلامي أو كلمات تندفع في مواقف سياسة لمجرد التهديد. بل هي قوة دافعة تتحرك حسب استراتيجية عمل لها عقود من الزمن ترابطت مع النص المقدس لترحل من المخيلة الوجدانية في الفكر الصهيوني العالمي لتصبح على أرض العرب واقعاً ينفذ عبر قوة القهر العسكري الضاربة.
تيودور هرتزل (1860 ـ 1904م) يقول في كتابه الدولة اليهودية الصادر عام 1896م: (لا يوجد انسان غني أو قوي بما فيه الكفاية لنقل أمة من مكان إلى آخر، فقط الفكرة تستطيع ذلك، ولدى فكرة إقامة دولة اليهود القوة المطلوبة لتحقيق ذلك، فتلك الفكرة هي حلم اليهود الأول من فجر تاريخهم ولكم ترددت على السنتهم عبارة «العام المقبل في القدس».
أما اليوم فالقضية هي اظهار انه في الامكان تحويل هذا الحلم إلى واقع ملموس ولكي يتحقق هذا يجب أولاً التخلص من العديد من عقول الأفراد.
فقد تتخيل بعض العقول البليدة ان ذلك ما هو الا هجرة من منطقة متحضرة إلى الصحراء. إلا ان الأمر ليس كذلك فسيتم تنفيذ الفكرة في قلب الحضارة. لن نهبط إلى مستوى أدنى سنرتفع إلى مرتبة أعلى، لن نتخذ من الأكواخ الطينية سكناً لنا بل سنبني منازل أكثر حداثة وبهاء وسنمتلكها في أمان.
لن نفقد ممتلكاتنا المكتسبة بل سنثبتها، ولن نتنازل عن حقوقنا التي اكتسبناها عن حق إلا من اجل حقوق أفضل.لن نضحي بعاداتنا الغالية علينا بل سنجدها مرة اخرى.لن نترك منزلنا القديم إلا بعد ان يتم تجهيز منزلنا الجديد).
الفكرة هنا هي القوة الفاعلة في صناعة القرار السياسي كما يرى الأب الروحي للحركة الصهيونية العالمية.
وعبر مراحل دولة إسرائيل لن تكون عبارة أرض الميعاد مجرد الفاظ دينية تقف عند حدود فلسطين. هي في الفكر العملي لليهود الامتداد نحو الأفق العربي ولكنها تظل في القرار النفسي والعقائدي تحمل قدسية التوراة والتلمود، وكذلك تحالف الثالوث المقدس، الرب والشعب والأرض.
اسقط هذا الادراك الدفاعي في كيان العقيدة لعسكرية عند كل فرد من اليهود. السلاح هو من يفتح الطريق نحو إسرائيل الكبرى بل من يقيم حاجز الأمان لأخذ هذا الحق الإلهي من شعب الله المختار.
ان الحلم التوراتي كما قال عنه تيودور هيرتزل لم يكن إلا فكرة لكنها ليست فكرة وقوف الحلم عند حالات التمني، بل جعل منها عقيدة مواجهة وإرادة وهو ما تعلمته أجيال وأجيال وضعوا هذا الحلم كأمر واقع إلى جانب السلاح.
القوة هي من تحقق انتصار الفكرة، كان هذا العقل اليهودي قد أدرك ان شتات اليهود في العالم لا يحوله إلى مركزية تقيم بناء دولة من عدم إلا فكرة هي تسكن في قاع الذات اليهودية عبر حقب من التاريخ، لكن كان هناك حاجز يمنع من تقدم الحلم نحو أرض الحقيقة، إسرائيل رض الوعد الإلهي.
في مسألة البناء النفسي في هذا الجانب يقول آرييه ل. بينكوس في محاضرة له تحت عنوان الشعب اليهودي والحركة الصهيونية تحديات ومهام عام 1972م: (هذا النضال يختلف تماماً عن النضال الذي ذكرناه بالنسبة إلى بلاد الضيق.
فهذا نضال فكري، اجتماعي، واخلاقي وليس نضالاً مادياً لانقاذ الجسد وبعد ذلك انقاذ اليهودي كانسان، وإحضاره إلى البلد. والأداة الرئيسية لهذا النضال في العالم الحر هي التربية اليهودية. لقد اعتبرت الصهيونية منذ فجر شبابها التربية اليهودية أساساً ودعامة، وكلما ازداد الضياع ازدادت الحاجة إلى التربية. أنني آمل بألا يكتفي المؤتمر بالنحيب فقط، بالأوصاف المكدرة للوضع، بل انه مكلف في هذه المرة على الرغم من جميع المناقشات السابقة بمعالجة هذه المشكلة بصورة ملموسة وعملية.
هناك تغيير في مناخ المنفى. ولم يكن المنفى الحر خلال فترة طويلة مستعداً لكي يسمع قضايا التربية اليهودية.
وقد عملت دائرة التربية في المنظمة الصهيونية ضد هذا التيار، وحدث خلال السنوات الأخيرة تغيير في المناخ نتيجة الوضع الذي وصفته بقدر غير قليل. واليوم ليس الصهيونيون وحدهم هم الذين يتكلمون عن المدارس اليومية بل ثمة طوائف كبيرة ومنظمة تدرك اليوم ان هذه هي إحدى الطرق. ويلقي التغيير في المناخ مهمة اضافية على الصهيونية فهو لا يخفف عنا: ويتوجب على الصهيونية معالجة هذه المشكلة على ثلاثة اصعدة.
الصعيد الأول: ما هو مضمون التربية اليهودية وهدفها؟
الصعيد الثاني: كيف ينبغي للطائفة معالجة هذه المشكلة اليهودية؟
الصعيد الثالث: ما هو الواجب الشخصي لكل صهيوني؟
ان هذه المطالب تتوقف على فهم الواقع داخل كل طائفة، وعلى الرغم من ان كل طائفة تختلف عن الأخرى فان العناصر المشتركة قائمة بصورة بارزة. انني لست مربياً ولكن بحكم وظيفتي أرى النقص في العالم، أرى الظاهرة، ان الطوائف التي تفتقر إلى تربية يهودية تفرز انساناً يفتقر إلى التربية اليهودية).
نقطة ارتكاز العقيدة على أرضية صلبة هي التربية التي تعد جيل المعركة. اليوم ظهرت خارطة إسرائيل الكبرى، وهذا لم يكن إلا بعد اعداد أجيال تربت على مبادئ الحرب من أجل النصر.
البناء الروحي هنا هو صمام الحاجز الفاصل بين الحلم والواقع والفكر الصهيوني مهما تمسك بالعلماني لكنه يخرج من تربة دينية تراكمت فيها صناعة المخيلة والذاكرة وجعلت من جزئيات التشرذم حلقات تماسك وتنقل عبرها الوهم إلى حالات من الادراك الواعي لنوعية المعركة الداخل فيها.
ان وعد الرب في العقيدة الصهيونية، هو تربية الفرد والجماعة بل والأمة على أن الحرب لن تكون لها من نهاية وهذا هو جوهر التربية الصهيونية.
لقد ترسبت في الذات اليهودية عقدة النار المشتعلة وعلى الفرد الباحث عن الأمان ان يظل قرب حافة البركان حتى لا يسقط في غفوة السلام الكاذب. هذا الاحساس في الخطر وهو الفعل المحرك والدافع نحو صحوة النار ـ الحر ب.
من هنا نجد المؤسسات العسكرية والأمنية في إسرائيل هي من تقود عقيدة السلاح والسياسة والدين.
هذا التمازج يعطي لمنزلة القتل والقتال روحانية السيطرة الخالدة للمكان.
وحين تطلق عبارة إسرائيل الكبرى توصل رسالة بأن الراهن هو زمن المسير نحو جعل الحلم التوراتي عنوانا لمن يحكم هذه الأرض. بل تحويلها من أرض عربية إلى أرض تلمودية ـ صهيونية.
ومما جاء عن هذا الجانب في موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: (حاولت الصهيونية طرح تعريف جديد لليهودية يتفق مع وضع اليهود الجدد في أوروبا بعد ظهور الدولة العلمانية يقوم على علمنة الأفكار القومية الكامنة في التراث الديني اليهودي، ويستند في هذا إلى مصدرين خارجيين: أولهما معاداة الآخرين لليهود باعتبار انهم مثلوا اجساماً غريبة في المجتمعات التي عاشوا فيها، والآخر وضع اليهود الطبقي المتميز في المجتمعات الغربية كجماعات وظيفية. وقد أخذ بهذا الطرح معظم الصهاينة الأوائل.
بيد ان معظم الاتجاهات الصهيونية المعاصرة اصبحت تتبنى طرحاً آخر مستمداً من حركيات ما يقال له التاريخ اليهودي تجعل اليهود كلاً يتجاوز الزمان والمكان ولا يمكن ان يحقق ذاته إلا في فلسطين، ارتس يسرائيل في الخطاب الديني. مثلما حدث تحت حكم المملكة العربية المتحدة، الكومنولث الأول، والدولة الحمونية، الكومنولث الثاني إلى ان تم هدم الهيكل.
ولذا يرى الصهاينة ان هويات يهود المنفى هويات مريضة وغير سوية ولا يمكن تطبيعها إلا من خلال العودة إلى فلسطين، ارتس يسرائيل وأرض الميعاد . من خلال تأسيس وطن قومي لليهود، الكومنولث الثالث، يحققون فيه شخصيتهم الحقيقية ويصيرون شعباً مثل بقية الشعوب.
وقد حاول انصار هذا الطرح تأسيس الهوية اليهودية على أسس متعددة أولها العرق، حيث اعتبر فريق منهم ان اليهود جنس متميز ولكن هذه النظرية سقطت في الغرب وبخاصة بعد ظهور آثارها المدمرة متمثلة في النازية. ورأى فريق آخر أساس الهوية اثني تراثي أو ثقافي مستمد من زمن الديانة اليهودية والتراث اليهودي التي حافظت على الرابطة اليهودية على مدى أربعة آلاف سنة).
كل هذا اليوم يطرح في مشروع الشرق الأوسط الجديد.
اسرائيل مركز القيادة، دول عربية سوف تصبح من ذكريات الماضي، وظهور خرائط جديدة ربما لمناطق بدل الأنظمة التي وصلت إلى قاع التمزق والتشرذم بل جعل المهادنة الملاذ الأخير قبل ضياع السيادة.
إذا سعى العقل الصهيوني نحو التحرك والتوسع فلماذا يعاني العقل العربي من كل هذا الارتداد؟
نحن أمام فترات التساقط وهذا ما يلحظ في جغرافية المنطقة العربية، ليست المسألة فقط في تحركات إسرائيل العسكرية وتوجيه ضربات نحو أكثر من هدف عربي. بل في دوام الانقسامات والحروب الداخلية والصراعات حقباً حتى وصل الحال في العرب بأنه لحل الحروب والأزمات لا يكون إلا بخلق أخرى غيرها.
هنا نصل إلى الطريق المسدود والنفق المظلم وغياب الوعي التاريخي للصراع مع إسرائيل.
ومن هنا يصبح التطبيع هو المخرج والحل الموضوعي لأن قوة المواجهة مع إسرائيل تركت لفئات، هي تقاتل حسب امكانية المرحلة والقدرة بل وعزيمة الاستمرار إلى حد الذهاب إلى الاحتراق الكامل.
ان غياب الردع العربي هو من سوف يمكن إسرائيل من الهيمنة على أرض الدول العربية بعد ما تكون قد انهارت من الداخل وخارطة إسرائيل التي ظهرت تدخل فيها دول تأكل نفسها من داخلها بل هي قد ذهبت بفعل التشرذم إلى دوائر النزعات الذاتية وهزمت كل مشاريعها القومية.
15 مايو 1948م اعلان قيام دولة إسرائيل، والراهن يسير نحو شرق أوسط جديد بمعنى سيادة القوى الصهيونية على المنطقة.
يقول المفكر الصهيوني اريك نوكر: (نحن لا نبحث في العقائدية من أجل ذاتها بل ليكون فيها ما يزودنا بمجموعة منظمة من الأهداف ومجموعة منظمة من النشاطات الآيلة إلى بلوغ هذه الأهداف.
ان العقائدية الصهيونية تتطور عن طريق تفحص الظروف الموضوعية التي يخضع لها يهود العالم. وانطلاقاً من هذا التفحص نستخلص المقترحات من أجل حل المشاكل.
والحركة الصهيونية كانت بهذا الأمر نفسه دائماً الحركة العقائدية في كيان الشعب اليهودي.
ولقد زعمت الصهيونية السياسية باستمرار ان حل المسألة اليهودية هو في حشد الشعب اليهودي اقليمياً ضمن دولة يهودية مستقلة في أرض إسرائيل وهذا الهدف في انشاء دولة يهودية قد تم بلوغه إلا اننا لم نصل بعد إلى حشد المنفى وتجميعه. والمسألة الأساسية التي تواجهها الحركة الصهيونية اليوم كما يبدو هي: هل مازالت الحركة الصهيونية تدعو إلى جمع الشتات ام انها تهتم بنسبة أكبر بتجنيد يهود الشتات في المنفى من أجل دعم الدولة؟!).
لم يكن الربيع العربي إلا أحد بنود استراتيجية الفوضى الخلاقة التي هدفت إلى هدم الدولة من خلال اسقاط النظام، في واقع مازالت الجماهير حتى اليوم عاجزة فيه عن صنع آليات البدائل فلم تخرج الشعوب من أنظمة السجون والمقابر ودولة المخابرات، إلا لتجد نفسها في دنيا الفرق المسلحة والحروب الاهلية والارهاب والتشرد وضياع كامل لكل الحقوق وكأن مراحل الكفاح الوطني هي أكاذيب كي تصنع مثل هكذا حكومات.
حين تحدث بنيامين نتنياهو عن إسرائيل الكبرى فهو لم ينطق من شعارات حماسية بل ما قال عنه هو ما ذكره في كتابه (مكان بين الأمم ـ إسرائيل والعالم) والذي لم يدركه العرب شعوباً وحكاماً بالرغم من مرور سنوات عديدة على صدوره وهذا يدل على عجز العقل العربي ومقدرة تعامله مع آليات العمل الصهيوني التي تدك اليوم دولاً عربية وتعمل على أخذ اراضيها وادخالها في جغرافية المشروع السياسي الذي يعيد صياغة خرائط المنطقة.
وعن الحلم الصهيوني في اقامة الدولة يقول: (نجح هرتسل في ترجمة المشاعر الصهيونية الطبيعية التي كانت تدق في قلوب ملايين اليهود إلى حركة سياسية عرفت كيف تأخذ بنظر الاعتبار العالم الحديث.
لقد أفلح أيضاً في فهم لعبة القوى في السياسة والتاريخ وكانت لديه معرفة كاملة بأن يهود أوروبا يواجهون خطراً مدمراً إلى جانب ايمانه الكامل بامكانية العودة لاقامة دولة ذات سيادة لذا عمل هرتسل من أجل الفكرة الصهيونية بكل ما أوتي من سرعة ونشاط).
من الملاحظ ان علاقة الوعي مع الافكار والعمل السياسي الصهيوني لم تصل إلى مستوى الادراك لقوة الخطر الذي يتحرك على الأرض العربية.
هذا القصور في فهم صراع النفوذ والهيمنة على الشرق هو الذي سوف يجعل اسرائيل الكبرى حقيقة في لحظة من الزمن.
هي عقيدة وسياسة سارت عليها الجماعات اليهودية عبر حقب من التاريخ، حلم بناء هيكل سليمان وسيطرة اليهود على كل أرض جاء ذكرها في اسفارهم المقدسة التي تحولت من كلمات إلى مشاريع، ولكن غفوة العرب تظل هي مفتاح الطريق نحو إسرائيل الكبرى.
المراجع:
1 ـ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية
الدكتور عبدالوهاب المسيري
المجلد الأول والمجلد الثاني الطبعة الثالثة عام 2006م ـ دار الشروق مصر.
2 ـ الدولة اليهودية ثيودور هيرتزل ـ ترجمة محمد فاضل
الطبعة الأولى 2007م مكتبة الشروق الدولية.
3 ـ المؤتمر الصهيوني الثامن والعشرون عام 1972م
وثائق ودراسات
الطبعة الأولى عام 1977م
مترجم عن العبرية والانجليزية
صادر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ـ القاهرة.