

أ.خالد المويهان*

14 أكتوبر/ قراءة أدبية:
في قصيدته “وحين تكون لوحدك”، يقدّم الشاعر صالح حمود تجربةً شعريةً غنية تتأمل في الوحدة لا كعزلة مدمّرة، بل كنافذة تطل منها الذات على ماضيها، وطفولتها، وعمقها الداخلي. النص لا يقتصر على التعبير عن ألم الانفصال عن الآخرين، بل يحوّل لحظة الخلوة إلى حالة تأملية، مليئة بالحوار الداخلي والبوح الهادئ.
الحنين ككائن حيّ:
يفتتح الشاعر القصيدة بصورة قوية:
“حين تكون لوحدك، يمدُّ الحنينُ جسورًا لمن رحلوا…”
هنا لا يُقدَّم الحنين كإحساس عابر، بل يُشخَّص كفاعل حقيقي، يمتد ويصل، ويبني الجسور مع من غابوا، ومع لحظاتٍ طواها الزمن. وكأن هذه العزلة تفتح الباب لزمن موازٍ، يسكن فيه الراحلون ويصيرون أكثر قربًا مما كانوا عليه في حضورهم.
الطفل الداخلي: صوت البدايات
واحدة من أبرز صور القصيدة هي استحضار الطفل الداخلي:
“رسائل طفلٍ يسكن وحدك: شقي عنيد…”
هذا الطفل ليس مجرد رمز للذكريات، بل يمثل الجوهر النقيّ للذات، الذي لم تُفسده حسابات الكبار، ولم تُطفئه خيبات الحياة. إنه الشغف الأول، الحلم، العناد الجميل، والدهشة. في لحظة الوحدة، يعلو صوته، ويتحول إلى دليل داخلي يُعيد الإنسان إلى حقيقته الأولى.
إعادة تشكيل الزمن
يحضر الزمن بقوة في القصيدة، عبر إشارات مثل: “غبار اللحظات، عقرب الوقت، تجاعيد الروح…”
لكن هذا الحضور لا يتخذ شكلًا خطيًا. الزمن هنا يدور ويعود، يتحرّك من الخارج إلى الداخل، ومن الحاضر إلى البدايات. لحظة الوحدة تكسر التسلسل الزمني، وتسمح للذات أن تنفض الغبار عن أعمار مضت، لتعيد صياغة فهمها لنفسها وللحياة.
تحوُّل الوحدة إلى نور
في نهاية القصيدة، يقدّم الشاعر انقلابًا رمزيًا مدهشًا:
“يشعل في وحدك حين تكون لوحدك… نجمًا، نضيدًا، عتيدًا.”
هنا تتحول الوحدة من ظلمة إلى ضوء، من عزلة إلى شعلة، من انكسار إلى ولادة. النجمة هنا رمز للحلم، للوعي، وللقوة الكامنة في داخل الإنسان حين يواجه ذاته بصدق. ليس النور خارجيًا، بل ينبع من الداخل، من الطفل العنيد، ومن الذكرى، ومن التجربة.
لغة النص: شاعرية هادئة وصور حسيّة
تميزت لغة النص بالنعومة والتركيز على الصور الحسيّة (الرمل، الملح، الضحكة، البرق…)، والتي تعكس ارتباط التجربة الشعرية بالجسد والوجدان. لا يعتمد الشاعر على الوزن الكلاسيكي، بل على إيقاع داخلي حرّ، يمنح النص طابعًا تأمليًا وموسيقيًا خافتًا يتماشى مع موضوعه.
خاتمة
قصيدة “وحين تكون لوحدك” ليست مجرد مرثية للوحدة، بل هي تجربة روحية وشعرية تعيدنا إلى الداخل، حيث تُولد الأسئلة، وتُستعاد البدايات، وتُنار زوايا مهجورة من ذواتنا.
يكتب صالح حمود هنا شعرًا يلامس القلب والعقل معًا، ويمنح الوحدة وظيفة أعمق من كونها غيابًا للآخر، لتصبح مساحة للعثور على النفس
خالد المويهان* : مدير مركز الشعر الإعلامي المستشار الثقافي لنقابة الصحفيين الكويتية