تلقيت مساء الأربعاء 13/ فبراير 2008م رسائل قصيرة بها تفي الجوال من شركة (سبأ فون) لخدمات الهاتف الجوال - والتي أنا أحد مشتركيها- تفيد بصدور فتاوى من بعض (العلماء) الذين تم إيراد أسمائهم يحرمون فيها الاحتفال بـ(عيد الحب) وإقامة أية فعالية تشير إليه، بداية الأمر اعتبرت هذه الرسائل نوعا من (البريد غير المرغوب فيه) الذي يتلقاه مشتركو شبكة الإنترنت عبر بريدهم الإلكتروني، لكنني وبعد أن ذهبت في وقت لاحق بصحبة ابنتي الصغيرتين إلى المركز التجاري (عدن مول) ورأيت الانتشار الأمني الكثيف عالي الأهبة والإجراءات الأمنية المشددة، وعلمت بأن إجراءات أمنية مماثلة يتم اتخاذها في بعض المراكز وعلى وجه الخصوص استاد 22 مايو عدن أثناء التحضيرات لمهرجان عدن الفني الأول الذي أحياه مساء يوم 14 فبراير 2008 بعض الفنانين العرب وفهمت من رجال الأمن أن لديهم مخاوف جدية من أن يقوم بعض المتحمسين ممن استمعوا إلى فتاوى التحريم هذه بمحاولات إزالة المنكر بأيديهم بواسطة التفجير او العمل الانتحاري وما شابه، حتى قررت أن أقول ما أعتقد بانه حق، ولما كان الساكت عن الحق شيطاناً أخرس، وكان الرد على رسائل التحريم هذه بنفس الطريقة التي تم استلامها بها مستحيلاً، فقد قررت أن أرد عليها كتابة.تاريخيا كانت الفتوى الدينية هي السلاح الأمضى والأشد فتكا الذي استخدمه بعض الخصوم الطامعين في الجاه والسلطة والمال وكل ما هو دنيوي ضد بعضهم البعض لكسب الولاءات واستمالة العامة التي تتأثر بكل ما هو منسوب إلى الدين ولإضعاف الخصم، بل استخدمه رجال الدين بعضهم ضد بعض، وما زلنا جميعا نتذكر أيام حربي الخليج الأولى والثانية حيث صدرت فتاوى تحرم الاستعانة بالكافر على المسلم بينما صدرت في الوقت نفسه فتاوى تجيز هذه الاستعانة، وفي اليمن ما زلنا نتذكر الفتاوى التي بررت حرب 1994م الظالمة وأباحت أرواح وأموال أبناء الجنوب الأمر الذي ما زلنا نعاني منه أشد العناء حتى يومنا هذا ، وبالأمس القريب صدرت فتاوى تحرم الاحتفاء بيوم مولد السيد المسيح عيسى (عليه السلام) باعتبار ذلك تقليدا لغير المسلمين وضربا من ضروب دخول جحر الضب، بينما أجازت فتاوى أخرى الاحتفاء بهذا اليوم باعتبار عيسى (عليه السلام) نبيا من أنبياء الله، وأن يوم مولده يوم من أيام الله ، والسلام عليه يوم ولد، وفي كل مرة كان يجد المفتون ويسوقون من الادلة والأسانيد ما يبرر فتاويهم المتناقضة.إن عالما جليلا من علماء الإسلام في “زمن الإسلام النقي” قد ألف كتابا رائعا تأصيليا عن “الحب” وأحواله، والمحبين وأحوالهم ولم يجد أدنى غضاضة في تأليف هذا الكتاب، إنه العالم الإسلامي الجليل (ابن حزم) رضي الله عنه في كتابه ذائع الصيت (طوق الحمامة). إن الله سبحانه وتعالى قد كرم ابن آدم بما لا يحصى ولا يعد من النعم، ولعل أحدها أن الله جل وعلا قد أكسب الإنسان عاطفة (الحب) والتي تعني -كما أفهم- الرغبة الشديدة في إيثار الآخر وجعله سعيدا وإظهار مشاعر الود والغفران تجاهه وغمره بها، وكل ما هو إنساني ونبيل، على العكس من بقية مخلوقات الله ومنها الحيوانات التي لا تعقل وتحركها الغريزة والفطرة التي فطرها الله بها.إننا إذا جمعنا معاني المودة والرحمة التي تحدث عنهما القرآن الكريم لن نجد لفظا يجمعها ويدل عليهما بصورة دقيقة مثل كلمة (الحب) كما أن نقيض (الحب) هو (الكراهية) وهي عاطفة كريهة مذمومة مدمرة، لذلك من باب أولى بنا نحن المسلمين أن نعلي من قيم الحب، وأن نجعل له ليس يوما بل أياما نحتفي فيها به ونعدد أفضاله ومحاسنه، خاصة وأننا نعيش في زمن طغت فيه الماديات ومشاعر الكراهية والأنانية، كما أن في وجود يوم أو أيام يحتفي فيها المسلمون بـ(الحب) فوائد جمة - من وجهة نظري- منها أن كثيرا من المسلمين ممن يكنون مشاعر الحب تجاه الآخر يمنعهم الحياء من البوح بمشاعرهم لذا تظل حبيسة صدورهم مما يؤدي إلى نشوء أزمات نفسية لديهم كونهم لا يجدون فرصا للبوح به، ووجود مثل هذا اليوم سيشعرهم بالتضامن وسيخلق الدافع والفرصة لهم للإعراب عن مشاعرهم وبالتالي سيضع هذا الأساس لبناء أسرة إسلامية صحيحة وقوية، كما أن في وجود مثل هذا اليوم مناسبة لإصلاح ذات البين ووصل ما انقطع بين المسلمين، كذلك سيوجه مثل هذا اليوم رسالة قوية إلى العالم الآخر الذي يعتقد أن المسلمين لا يجيدون سوى العنف والكراهية.إن على علماء الأمة الإسلامية يقع واجب الأخذ بيدها إلى كل ما هو خير ونبيل، وأن يخرجوها من دائرة الجمود، وأن يجتهدوا ويستنبطوا من ديننا الإسلامي الحنيف وتاريخنا وتراثنا الإسلاميين كل ما يعلي من المشاعر النبيلة وقيم ديننا السمحاء، كذلك يقع هذا الواجب على قادة الأمة الإسلامية ومنهم فخامة رئيس الجمهورية الأخ/ علي عبد الله صالح الذي في زمن ليس ببعيد وفي مقابلة تلفزيونية مع محطة (mbc) تم بثها، أجرتها معه الإعلامية اللامعة (نيكول تنوري) حين سألته: ما إذا كان للحب مكان في حياته؟ فأجاب بأنه قد عرف الحب عندما كان صغيرا يرعى الأغنام في قريته، لذا يقع على عاتق فخامته واجب تشجيع وحماية جميع من يكنون مشاعر الحب ويحتفون به، وعلى الجميع أن يعوا ويفهموا أنه لا يجوز للمسلم أن يرهب أو يروع أخاه المسلم أو أخته المسلمة لمجرد أنه يرى أن ما يعتقده صحيحا بينما الآخرون على ضلالة.البعض ممن ناقشت معهم موضوع رسائل فتاوى التحريم هذه أكدوا لي بأن الغرض منها أبعد مما أظن ويكمن في استنهاض وإعادة تعبئة تيار الإسلام السياسي- الذي خفت بريقه وتم ركن دوره مؤقتا - وإعداده لمواجهة حركة الاحتجاجات المتصاعدة في محافظات الجمهورية وعلى وجه الخصوص عدن وبقية المحافظات الجنوبية توطئة لإصدار فتاوى تحرم الخروج على الحاكم والحفاظ على وحدة الأمة ..الخ، بينما أكد لي البعض الآخر بأن في الموضوع (مكائد بين تجار) ودللوا على ذلك بأن بقية شركات خدمات الهاتف الجوال العاملة في الجمهورية كانت من ضمن الرعاة للحفل الغنائي الذي سيحييه بعض الفنانين العرب والمقرر إقامته في ستاد (22 مايو) م/ عدن مساء يوم 14 فبراير 2008م -المصادف ليوم عيد الحب ولأن شركة (سبأ فون) لم تكن من ضمنهم فقد قررت أن توجه لهم (ضربة تحت الحزام) بإرسالها هذه الرسائل في التوقيت المناسب (مساء اليوم السابق للحفل) لإفساد الحفل وثني الجمهور عن المشاركة والحضور وبث الخوف والشعور بالإثم لدى الجميع، وأسهبوا أن في الأمر أيضا منافسة حول إقامة الحفلات الغنائية واحتكار استدعاء فنانين من خارج الوطن وسلع تجارية معينة مرتبطة بالعيد ..الخ.وسواء صدق هؤلاء أو أولئك أو آخرون من دونهم لا نعلمهم، فإن مسألة إرسال رسائل قصيرة عبر الهاتف الجوال تتضمن فتاوى تحريم هو أمر يطرح بحد ذاته أمورا غاية في الخطورة يجب الوقوف أمامها بكل حزم وعلى وجه السرعة، ومن هذه الأمور:1 - من يتولى الإفتاء والرقابة عليه في البلد؟ من هو المفتي ومن يحق له الإفتاء؟ ما هي الشروط الواجب توافرها في المفتي وفي الفتوى وطريقة طلبها وصدورها وإشهارها؟ وهل يجوز أن تتضمن رسالة قصيرة عبر الهاتف الجوال لا تتعدى كلماتها (العشر كلمات) فتوى بتحريم أمر لم يرد فيه نص صريح قاطع الدلالة من كتاب الله وسنة رسوله الكريم بالتحريم؟2 - من يتولى الرقابة والإشراف على تصرفات شركات الاتصال الخاصة في البلد؟ وهل يجوز لها - وفقا لشروط الترخيص الصادرة لها من الدولة أو وفقا للعقود الخاصة التي تبرمها مع كل مشترك- أن تتحف مشتركها برسائل تحتوي فتاوى تحريم دون طلب منهم؟إن الحلال بين والحرام بين، ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (استفت قلبك وإن أفتوك) ولما كنت قد استفتيت قلبي مخلصا فقد أفتاني بالتالي: 1 - أن أجعل من الحب زادي ونبراسي والمحرك الأول لكل تعاملاتي مع الناس وأن أحتفي به وأعلي من قيمة ما استطعت والله المعين.2 - عدم التعامل مستقبلا مع أية شركة اتصالات تتعامل مع المشتركين بهذا الشكل.[c1]عن صحيفة ”/الوسط/”[/c]
فتـــاوى “SMS“
أخبار متعلقة