صباح الخير
شفاء منصريبدو المشهد الإعلامي العربي للوهلة الأولى في فورته المتصاعدة، مشهداً براقاً يوحي بالآمال العريضة والتفتح الزاهي الذي تنبئ به المُناخات السياسية الجديدة في عدد من الأقطار العربية، ليتولد لدى المشاهد انطباع ً قوي بأنّ العالم العربي يعيش حراكاً سياسياً غير مسبوق من كثرة برامج الحوارات وحلقات النقاش. واتساعاً لهامش حرية التعبير من الكم الهائل للمحطات الفضائية والصحف والمجلات، لكن بعد قراءة دقيقة للمشهد الإعلامي العربي وخطابه سندركُ أنّه مجرد خطاب سرابي يحسبه المواطن العربي الظمآن للحرية والعدالة والديمقراطية ماء، وهو لا ماء ولا يحزنون !! بل إعلام هلامي ليس له ملامح واضحة ولا تأثير يذكر في صناعة الأحداث. جذوره عائمة في فضاءات غريبة ومعادية، لا تنتمي لواقعنا العربي بقيمة وعاداته وتقاليده، مما يعني أنّ هناك حالةً من الانفصال بين تلك الوسائل والمجتمعات التي تمثلها.“والأخطر من ذلك أنّ هذه الوسائل تلعب دوراً هاماً في تغيير المجتمع شيئاً فشيئاً في اتجاه مضامين معيَّنة”، وكمثال على حالة الانفصال للإعلام العربي عن المجتمعات العربية أنّ هامش الحرية الذي صدعت به رؤوسنا وسائل الإعلام غالباً ما يستخدم “كبديل عن الديمقراطية الغائبة في الدول العربية” والواقع الذي يقدم للمشاهد بصورة مضللة تصيبه بالإحباط والحيرة والسخط، فواقع حاله المزري والبائس ليس مثالياً بالدرجة التي تقدمه بها الفضائيات المشحونة بمظاهر الترف والرفاهية.يطرح د . محمد الرميحي عدداً من الملاحظات للوضع الإعلامي الغريب في عالمنا العربي ذلك الإعلام الذي يسعى لتجاهل الحقائق وتزييفها ويعيش انفصاماً فاضحاً بينه وبين الواقع بجوانبه المختلفة في هذه الظروف شديدة التعقيد في مقالٍ له بعنوان (زيارة للإعلام العربي مرةً أخرى) نشرها في مجلة الكويت يقول أنّ مشاهد المحطات الفضائية سوف يُعلنُ للوهلة الأولى (أنّ العالم العربي يعيش عصراً غير مسبوق من الحرية السياسية ) من خلال الكم الهائل من برامج المناقشات والمناظرات.أما فيما يتعلق بحال الفضائيات الزاخرة بمظاهر الترف والبذخ “فسيظن المراقب للمشهد الإعلامي العربي أنّ العالم العربي من المحيط إلى الخليج على الدرجة نفسها من الرفاهية والوفرة الاقتصادية التي تدل عليها المظاهر الاستهلاكية ومظاهر البذخ التي تنقلها الدراما والمسلسلات العربية”.“وسيخرج المراقب بانطباعات خاطئة عن القيم والعادات والتقاليد” بسبب ما تقدمه هذه المحطات من دراما وإعلانات مبهرة وأغاني فيديو كليب راقص رخيصة ومبتذلة تخاطب الغرائز “كما أنّ بعض مقدمي البرامج يكونون نماذج اجتماعية لا تنتمي إلى المجتمع الذي نعرفه ربما لأنّ تلك النماذج لا تريد أنْ تنتمي إلى الثقافة العربية وقيمها”.ويختتم الرميحي ملاحظاته عن المشهد الإعلامي العربي من خلال زيارته الخاطفة.“بأنّ المشاهد سوف يروع لهذه الحالة من التفاهة والسطحية التي تكاد تسود من خلال التشابه الشديد في المضمون الذي تقدمه الفضائيات على كثرتها والتي تكاد تخلق حالة من عدم اليقين للشخصية العربية وخصوصاً في أوساط الشباب وتؤدي بأشكال مختلفة إلى تغليب القيم الاستهلاكية التي تكرس لها هذه البرامج شكلاً ومضموناً كل جهدها”، بسبب عجز تلك البرامج وعدم قدرتها على لعب دور مؤثر في نقل الثقافة والتعبير عنها.أخيراً يبدو جلياً أنّ المشهد الإعلامي الذي لم يستفد إلا شكلياً من التطور المذهل في مجال صناعة الإعلام وتقنياته “وظل ناقلاً عن الإعلام العربي مديراً ظهره للاعتبارات الخاصة لمجتمعنا العربي اجتماعياً وثقافياً”.