الرياض/متابعات:بيت الأشباح كما يحلو لنا أن نطلق عليه الواقع بحي الصالحية بالرياض والذي كان يؤوي أكثر من 20 طفلاً يمنياً تتراوح أعمارهم بين 6 سنوات و 12 سنة ويديرهم أكثر من 18 شخصاً من الجنسية اليمنية لغرض التسول قبل القبض عليهم هو أكبر شاهد ودليل على تفشي ظاهرة تهريب الأطفال لغرض التسول في أحياء مدينة الرياض وأن هناك من يديرهم ويقف خلفهم مهما اختلفت اعترافاتهم وتعددت حكاياتهم.[c1]38 متسولاً بينهم 20 طفلاً ينامون في غرفتين [/c]عندما دخلنا إلى ذلك البيت الشعبي مع الجهات الأمنية بشرطة البطحاء ووحدة منع الباعة عند الاشارات المرورية بعد صلاة فجر ذلك اليوم بحي الصالحية والذي يضم شبكة كبيرة من المتسولين اليمنيين والذين يزيد عددهم على (38) شخصاً من بينهم أطفال من الجنسين أعمارهم لا تزيد على الثانية عشرة من العمر لم نكن نتوقع ان نجد ذلك العدد الكبير في بيت شعبي متهالك يحوي غرفتين إحداهما للأطفال والأخرى للكبار ممن يديرونهم ينامون بهذه الصورة المزرية بعيداً عن عين الرقيب ولم يكن يتوقع من يدير هؤلاء الأطفال ان الأجهزة الأمنية سوف تستدل على أماكن تجمعهم رغم التحذيرات التي يطلقونها على الأطفال الذين يتسولون بهم بعدم إخبار أحد عن هذا المكان عند القبض عليهم اضافة إلى ان من يدير هؤلاء الأطفال لا يخبرونهم عن عنوان هذا السكن ويكتفون بإيصالهم بعد ظهر كل يوم إلى نقاط معينة في شوارع مدينة الرياض تم الاتفاق عليها مسبقاً بين الكبار ويتم احضارهم في المساء إلى هذا المسكن ويتم جمع المبالغ منهم ويعاودون العمل في اليوم التالي وبنفس النظام ..عندما دخلنا إلى المنزل لم يفجع الأطفال لأنهم سوف يعودون إلى آبائهم وأمهاتهم ولن يعاقبوا بل سوف يعطون الحلوى وتستبدل ملابسهم المتهالكة بملابس جديدة ويتم فحصهم ويعالج من عنده مرض، أما من فجع بقدومنا فهم كبار السن الذين يديرون هؤلاء الأطفال لأنهم سوف يخسرون بترحيل هؤلاء الأطفال الذين يدرون عليهم ذهباً ولا يكلفهم تسللهم إلى المملكة سوى مبالغ بسيطة مقابل ما يجنونه من هؤلاء الأطفال يومياً. [c1]مناظر مأساوية [/c]في إحدى الغرف الضيقة في ذلك البيت المتهالك ينام أكثر من 20 طفلاً تمتد أعمارهم ما بين الستة إلى الأحد عشر عاماً جمعتهم عقود مختلفة الأسماء لكن مضمونها واحد وهو إجبارهم على التسول العلني عند إشارات المرور من الساعة الواحدة ظهراً وحتى الواحدة بعد منتصف الليل وحدد لهم الأشخاص الذين يديرونهم جمع مبلغ يومي لا يقل عن 300 ريال وحددت العقوبات الصارمة لمن يخالف التعليمات ولا يجمع الغلة في ذلك اليوم أن مصيره الضرب أمام زملائه المتسولين من الأطفال في البيت الطيني أمام جميع المتسولين وحرمانه من وجبة العشاء ذلك اليوم، أما من يمرض فلا يفكر بالذهاب للمستشفى للعلاج، فالمسؤول عنه سوف يحضر له الدواء من الصيدلية أو يعمل له شربة خضار تكفيه من الذهاب للطبيب وصرف الدواء ومن يقبض عليه فإنه سوف يتكبد عناء السفر والتسلل وركوب الحمير مرة أخرى للعودة بعد ترحيله لهذا المسكن المشهور بحي الصالحية. انها بالطبع تعليمات قاسية تجعل الكبار يمتثلون لها لتجنب تلك العقوبات وليس فقط الصغار الذين لا يستطيعون تكبد تلك المشاق وتلك العقوبات، فالعمل سوف يسير كما رسم له والجميع سوف يعملون بحذر حتى لا يكونوا ضحايا لتلك العقوبات من الجماعات التي تديرهم. هذا ما كشفه ل«الرياض» الطفل علي الجيشي الذي تفاجأ بدخولنا عليه وزملائه الأطفال واعترف لنا بكل براءة بأنه قدم للمملكة عن طريق التسلل منذ أشهر وهذه هي المرة الثانية التي يتسلل فيها للمملكة لغرض التسول ويقول علي: لقد تسللت للمملكة بسبب الفقر الذي تعانيه أسرتي في اليمن. وقد حضرت مع أحد الأشخاص من اليمن والذي اتفقت أسرتي معه على أن يقوم بإدخالي للمملكة ويدفع مبلغ التسلل وايجار السكن وبعد العمل في التسول هنا يكون الأجر مشتركاً بيننا وقد تم القبض عليّ قبل أشهر وعدت مع نفس الشخص!! [c1]أنا لا أخاف من العقوبات [/c]وعن خوفه من العقوبات المطبقة قال: أنا لا أخاف من العقوبات والسجن لأنه يتم ترحيلي مباشرة وأكثر ما أخافه هو عناء السفر والتهريب عن طريق الحدود إلى المملكة، وعن السكن في هذا المنزل قال ان هذا المنزل يعرفه الشخص الذي قام باحضاري من اليمن ويقوم بدفع إيجار يومي 20 ريالاً للشخص ولديه ثلاثة أشخاص غيري يعملون معه جميعهم أطفال من نفس القرية. [c1]واحد كبير أحضرنا من اليمن [/c]أما الطفل فارس أحمد (10) سنوات فكان مشغولاً بإيقاظ شقيقه 7 سنوات وشقيقته 8 سنوات وقد دخلنا المنزل وإبلاغهم بالعودة لليمن وإلى أسرتهم سألت فارس مع من تعمل هنا؟؟ ومن أحضرك واخوتك؟؟ قال هناك واحد كبير أحضرنا من اليمن أنا واخوتي وهو يجمع المبلغ (الفلوس) مني واخوتي ويرسلها لأبي باليمن وأنا لا أعرف شيئا! سألته كم مرة تم ضربك؟؟ قال: مرة سألته لماذا؟؟ قال (ما شحذت) أنا وأخوتي. ومن الذي قام بضربك؟؟ قال الذي أحضرني من اليمن. قلت من؟؟؟ قال أبي يعرفه!! أنا لا أعرف اسمه!!! سألته هل تذهبون للمستشفى إذا تعبت أنت واخوتك؟ قال: لا الشخص الذي أحضرنا من اليمن يعمل لنا شربة خضار وهناك علاج في البيت هنا شراب نشربه ونرجع (نشحذ)!!! وهل تلعبون؟؟ لا!! لماذا؟ ما فيه وقت للعب!! [c1]الشحاذة بالنصف [/c]كما التقينا بالطفل عصام أحمد (11) سنة والذي يسكن وينام في نفس الغرفة المتهالكة التي تضم الشحاذين والذي اعترف لنا أن هذه المرة الثانية التي تسلل فيها للمملكة وانه في المرة الأولى حضر مع شخص من الجنسية اليمنية وأحضره لهذا المسكن وتم الاتفاق بينه وبين والدته في اليمن على دفع تكاليف التهريب وتكون الشحاذة بالنصف بينهما ويقوم هو بإرسال المبلغ لوالدته باليمن وبعد أشهر تم القبض عليه هنا وتم ترحيله لكن عصام قال لنا انه أصبح لديه مبلغ من المال جمعه من التسول يؤهله للعودة مرة أخرى للمملكة والعمل لحسابه الخاص دون الحاجة لهذا الشخص فقد عرف المكان وعرف طريقة العمل وعاد مرة أخرى عن طريق احدى عصابات التهريب وتم تهريبه مع مجموعة كبيرة من المتسللين ودخل الرياض للمرة الثانية وعاد إلى نفس البيت مع مجموعة من المتسللين الذين ساعدوه في الوصول للسكن ويواصل الطفل عصام اعترافه قائلاً: أنا أدفع (القطة) وهي عبار عن إيجار المنزل والأكل بمبلغ مقداره 30 ريالاً يومياً على الشخص الذي يسكن في هذا المنزل تدفع يومياً قبل النوم من يعترض فإن مصيره الطرد والعودة لليمن مرة أخرى. [c1]تقسيم مواقع الإشارات المرورية على المتسولين [/c]علي أحمد (22 سنة) حكاية أخرى من الحكايات التي تقبع في هذا البيت الذي يؤوي المتسولين، حيث قال انه تسلل بشقيقه فارس (7 سنوات) عن طريق البقع ونجران ووادي الدواسر والسليل والدوادمي والخرج عن طريق السيارات التي تسلك به الأسفلت مرة والطرق الصحراوية مرة أخرى مقابل مبالغ مالية زهيدة لا تصل لمائتي ريال حتى وصل إلى هذا المكان وقال: انني أتسول بأخي فارس يومياً عند الاشارات وأعود مساءً وننام ونعاود العمل بعد صلاة الظهر وهذا هو مشوارنا اليومي وقال علي أحمد انه يدفع 60 ريالاً يومياً ايجاراً عن سكنه هو وشقيقه يومياً ومقابل حمايتهم والتستر عليهم والسماح لهم بالتسول عند الاشارات لأن غالبية الاشارات فيها ناس من نفس السكن لذا يجب تحديد المواقع قبل الذهاب إليها (هل فارس 7 سنوات شقيق علي 22 عاماً لا نعلم!!!). [c1]طفل عمره 5 سنوات يتألم من وجع التسلل ويعالج بشربة خضار [/c]ولا تختلف حكاية عبدالرحمن حسن يحيى عن حكاية زملائه رغم ما يكتنفها من الغموض، حيث بدأ بجمع ملابسه من الغرفة المتهالكة واحتضن اخوته أحمد (5 سنوات) وعلي (8) سنوات والذين بدا عليهم الإنهاك والمرض والخوف في الوقت نفسه وقال لنا انه تسلل هو واخوته بمساعدة أحد أقاربه الذي دلهم على هذا السكن وقال انني أعمل في التسول لحسابي الخاص وأرسل ما أحصل عليه واخوتي لوالدتي باليمن وقال إنني أدفع إيجاراً يومياً 150 ريالاً عني وعن اخوتي مقابل السكن والأكل وأضاف: عندما مرض أخي أحمد (5 سنوات) عالجه أحد كبار السن الذي معنا في البيت الشعبي بعلاج كان قد اشتراه لأحد الساكنين معنا في السكن وعمره (10 سنوات) وعمل له شربة خضار وعندما أخذ العلاج أخي شفي من المرض وعاد للتسول مرة أخرى وعن القبض عليه قال انني واخوتي سوف نعود مرة أخرى بسبب الفقر في قريتنا!!! [c1]شاهدت حالات ضرب ولا وقت للعب [/c]أما الطفل محمد علي (15 سنة) والذي لا تختلف حكايته عن سابقيه فقد اعترف لنا بأنه تم تهريبه عن طريق أحد أقاربه باتفاق مسبق بينه وبين والده في اليمن لغرض التسول وذكر الطفل أحمد انه شاهد حالات ضرب لأطفال من قبل الكبار في هذا البيت وهم الأطفال الذين لا يستطيعون التسول وجمع أكبر قدر من المال وخاصة من الذين لا يجمعون سوى خمسين ريالاً وأقل وعن وقت اللعب قال انه لا يوجد لدينا وقت للعب فقط نشحذ ونأكل وننام. [c1]كبار السن يرفضون الحديث [/c]كبار السن ممن قبض عليهم داخل المنزل الذي ضم عدداً من الأطفال المتسولين رفضوا الحديث للجهات الأمنية ول«الرياض» عن ظاهرة تسول الأطفال وضربهم وقالوا انهم متسولون تسللوا بغرض التسول ولا يعرفون عن هؤلاء الأطفال أي معلومات وأنهم جمعتهم بهم الظروف فقط وأنهم يتسللون من نفس المناطق كما ذكر ذلك ل«الرياض» المسن هادي يحيى 50 عاماً والذي أخذ يراقبه الأطفال طوال الوقت اثناء القبض عليهم والذي أنكر ل«الرياض» علاقته بأي طفل من الأطفال العشرين الذين تم ضبطهم داخل المنزل معه وقال انني تسللت للمملكة بغرض التسول فقط نظراً لظروفي المادية وعن سكنه في هذا المنزل قال هادي: ان الظروف فقط هي التي جمعتني بهم وجميعهم من سكان قريتنا وهذه المنازل معروفة لدينا في اليمن ويعرف عناوينها المتسللون اثناء تنقلاتهم حتى يصلوا إليها.