غضون
* أن يقول خطيب مسجد متعصب إن المدن الساحلية هي موطن الفواحش ، ومنها تنتقل إلى مناطق الداخل ، فهذه إساءة مباشرة لملايين الرجال والنساء الذين يسكنون المدن الساحلية ، بل إن ذلك من قبيل رمي الأبرياء بالإفك ، وقذف للمحصنين والمحصنات ، وفوق هذا يعد هذا الادعاء ضرباً من الجهالة ، فالزناء واللواط والسحاق مثلاً يمارس منذ أقدم العصور في بقاع شتى من الأرض وفي القصور والمواخير وفي الأكواخ حيث الفقراء كما في بيوت الخلفاء والسلاطين والأمراء .. وخير شاهد على ذلك واقعة إمرأة عزيز مصر مع النبي يوسف في عقر دار العزيز ، وكذلك قصور هارون الرشيد الذي قيل عنه أنه كان يحج عاماً ويغزو عاماً . * ولا نريد هنا أن نقع فيما وقع فيه ذلك المتعصب الجاهل وأضرابه من قذف أو طعن في أخلاق سكان مناطق معينة ، لكن نشير هنا إلى الفاحشة المخزية التي فشت في قوم لوط الذين لم يكتفوا بممارسة اللواط فيما بينهم بل كادوا يفعلونها مع الملائكة أضياف النبي لوط، وأولئك القوم كانوا يعيشون في قلب الصحراء ولايعرفون بحراً أو نهراً ، كما أن أقواماً آخرين سرت فيهم فواحش أخرى وأمراض وعلل نفسية في مناطق الصحاري والبوادي وبعيداً عن التمدين أو التحضر والمدنية ، وأولئك الذين تسجل الأدبيات التاريخية ولعهم بالوقوع على الحيوانات ، وكذلك قتلة ناقة نبي الله صالح الذين سكنوا البوادي لايختلفون عن الشبان الذين أفسدوا بغلة أبي دلامه ! * إن ذلك المتعصب الذي ينظر بعين حولاء ، أو إلى جهة معينة من البلاد ويصم أهلها بالفواحش ، يصدر في كلامه وأحكامه من ثقافة الشك والشائعة التي تسيطر غالباً عليه وعلى أمثاله من الخطباء الذين يمسون ينقلون عيونهم من قناة إلى أخرى ويتوهمون أن ما يشاهدونه في تلك القنوات الأجنبية له مثيل في مدننا وبيوتنا ، فيبالغون في الشكوى من ذئب غير موجود ويصيحون في وجوه الناس مطالبين إياهم بتجنب الفواحش ومحاربتها بينما الشك والشائعات شيء مختلف عن الوقائع .. وبالطبع لايمكن إنكار حدوث هذه الفواحش في مجتمعنا ، وليس مطلوباً أن تمارس على قارعة الطريق لكي نصدق بوجودها ، ولكن المبالغة وهز ثقة المجتمع بنفسه لايجوز .. كما لايجوز رمي فئة معينة بالفواحش ولايجوز تركيز الخطاب دائماً على النساء دون الرجال ، فالمرأة مثلاً لاتزني من دون رجل .