حقاً إنه كتاب رائع ومتميز في فكرته ومعانيه ومدلولاته الفكرية والإبداعية .. إنه كتاب (يوم كان السرد أنثى) للكاتبة الثائرة لأنوثتها وبنات جلدتها ووطنها وهويتها الحضارية ريا أحمد.ما يجعل الكتاب ثرياً ومستساغاً ويحمل طابع التميز هو لونه الفكري والإبداعي الذي أستند إلى أرضية المواجهة التاريخية والفكرية في رحم الوهج الإبداعي الأصيل الذي نما وترعرع في أبهى صورة ممكنة في أحشاء كائنات أنثوية، حملت مشاكل التجديد والتنوير في مجال القصة وهو السياق الأبرز الذي أثرى المشهد الأدبي اليمني بأبهى الحلل الفكرية .. والثقافية والإبداعية نتيجة لتحرر وتطور آلياتها ومفاعيلها واكتسابها وعياً جديداً سمح لها بالتحليق عالياً في فضاءات التغير نحو كل ما عزز ويعزز من قيمة الخيال والإبداع النبيل في حياة الأمة والوطن.تقول مؤلفة الكتاب ريا أحمد إنطلاقاً من الصفحة الـ15 من الكتاب (في عام 2001 وصلتني رسالة الكترونية، من طالب يمني يدرس في إحدى الجامعات العربية خارج اليمن جاء فيها:الأستاذة ريا أحمد .. بعد التحية، قبل يومين كنت في رحلة نضمتها بعض الجامعات هنا وكنت أحتفظ بأحد أعداد مجلة عربية لك فيه موضوع، وصرت أتباهى أمام زملائي بالمبدعة اليمنية، فسخر مني أحدهم قائلاً: لم يبق الا اليمن ليصير فيه مبدعات؟ فلماذا ينظر البعض إلى المرأة اليمنية بهذه النظرة القاصرة والقاسية؟بعد سنتين تقريباً كتب (غريب) ـ هكذا سمى نفسه وهو يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية ـ تعليقاً على قصتي (قطرات من فضة) في موقع القصة العربية الإلكتروني هذا التعليق : سيدتي ريا، لطالما يشرفني أن أقرأ لأديبة يمنية، هذه الكلمات التي هي حقيقة قطرات من فضة .. ولا أخفيك أنني زهوت على اقرأني العرب في هذه الكلية وأرسلتها لهم على إيميلاتهم لأجد لهم جواباً كذلك السؤال المر: هل لليمن مبدعات؟؟ وهل فيها أديبات؟ لا أخفيك أن ذلك منه أهم ما جعلني أبحث في المنتديات العربية حتى وجدت أسمك لامعاً كنجم إبداعي يمني يشهد له .. أتمنى أن أقرأ لك مطبوعاً ولك الشكر ..من تلك الرسالة ومن ذلك التعليق تقول ريا أحمد مؤلفة كتاب (يوم كان السرد أنثى) جاءتها فكرة تأليف هذا الكتاب .. وتسترسل حديثها بالقول: (كنت أنوي أن أعنونه: (من رياحين بلقيس) وكنت قد رصدت له حوالي 40 قاصة من اليمن .. الا أنني قررت أخيراً أن يكون هذا الكتاب بصيصاً من نور المرأة المبدعة في مجال القصة وهو المجال الذي أحب وأتابع .. ابتعدت عن ذلك الكم الهائل من الأسماء لكي لا يشابه هذا الكتاب البيلوجرافيا والتي ثمة من هن أجدر مني ليقدمن بيلوجرافيا عن الأدب النسائي اليمني.اخيراً: حاولت من خلال هذا العمل تقديم نماذج وليس حصرها، وأنا إذ أعتبر هذا العمل (والكلام لا يزال لريا أحمد) إمتداداً أو لنقل جزءاً ثانياً للكتاب السيدة الفاضلة القاصة والكاتبة الصحفية الأستاذة نهلة عبدالله التي قدمت لنا كتاباً في غاية الأهمية تحت عنوان (أصوات نسائية في القصة اليمنية).ولكي تكتمل الرؤية وجدت أنه من الضروري تضمين الكتاب شهادات أدبية لكل كاتبة قامت هي بكتابتها، بيد أن الشهادات لم تكتمل لأسباب، لعل عدم استطاعتي الوصول إلى بعض الكاتبات لا سيما في بلاد المهجر مثل جلنار عبدالله وغيرها رغم محاولاتي الكثيرة، كما أن بعض القاصات ممن استطعت التواصل معهن لم يتجاوبن معي في موضوع الشهادة الإبداعية لأسباب غير مقنعة .. بالنسبة لي على الأقل.في الأخير أحب أن أنوه أن هذا الكتاب يعتبر كتاب ملكة سبأ الأول (مشروع التواصل الثقافي العربي) وهو الخطوة الأهم من خطوات لمشروع بدأناه قبل عدة سنوات وتوقف لأسباب مادية بحتة، ولعل هذه الخطوة تكون الخطوة الأولى لمعاودة نشاط المشروع .. أتمنى أن أكون قد وفقت في هذا العمل والتمس العذر منكم في حالة التقصير.[c1]الدكتور المقالح .. في تقديم الكتاب[/c]شدني عنوان هذا الكتاب وأمتعني بمحتواه وتوقفت طويلاً عند المقدمة التي كتبتها الباحثة المبدعة ريا أحمد، صاحبة فكرة وجمع هذه المختارات من القصة اليمنية، الحديثة .. ولفت انتباهي في المقدمة شيئان اثنان:أولا : هذه الصورة التي كانت لبلادنا عند الآخر الذي كان ينظر إلى واقعنا الأدبي بدرجة بشعة من الدونية.وثانياً : وجود جيل من النساء المبدعات المخلصات لتأسيس كيان إبداعي للسرد يستوعب أحداث مستوياته ليس في الأقطار العربية التي سبقتنا بأشواط فحسب وإنما العالم ايضاً، وهو حلم لا يبدو من خلال تأمل النماذج المختارة في هذا الكتاب بعيد المنال .. فهي تكشف عن مواهب واعدة بالعطاء السردي المتدفق.يضاف إلى هذين الشيئين اللذين لفتا انتباهي في المقدمة موضوع ما ذهبت إليه المبدعة ريا أحمد في تعليقها على الأنثى كما يشي عنوان كتابها (يوم كان السرد أنثى) من أن هذا الفن البديع (أرتبط بالمرأة أكثر مما أرتبط بالرجل فشهرزاد من كانت تروي لشهريار القصص مدة ألف ليلة وليس العكس) وواقع الأمر أن السرد كالشعر وكالفكر وكأي تعبير إنساني هو أنثى ورجل في الوقت ذاته ..صحيح أن شهرزاد ساردة بارعة انقذت نفسها وأنقذت بنات جنسها من سيف الجلاد المسلط على رؤوسهن دون رمي بما دونه من حكايات الا إننا لا نستطيع أن ننسى أن المرأة كما خلقت من ضلع رجل لتكون شقيقة روحه وجسده فإن شهرزاد مخلوقة الرجال وهم الذين أملوا على لسانها ذلك الفيض الهائل من الحكايات التي أضاءت سواد الليالي العربية وغير العربية بعد أن صار عالم شهرزاد السردي في متناول البشرية بكاملها لم يعد وقفاً أن يسهر الخلق في العالم جراءه ويختصموا.وأخلص من هذه الملاحظات على ما جاء في المقدمة إلى التأكيد على رأي سابق لي تكررت الإشارة إليه في أكثر من مكان في ما أكتبه .. وهو أن الأدب تعبير إنساني تنتفي معه موضوعة الذكورة والأنوثة .. وأن الأعمال الإبداعية شعراً كان أو قصة مكتوبة بأقلام نساء من الشرق والغرب في الوطن العربي أو خارجه لا خصوصية تحدد ذكورتها أو أنوثتها، ولا قيمة لما يقال من تحليلات تخلو من المنطق العلمي أن إدمان المرأة على قراءة التعبير عن أحاسيسها وما ينبض في مشاعرها من خلجات وعواطف.إن العوالم الماثلة لعين الإنسان ـ رجلاً كان أو إمراة ومثلها العوالم المتخيلة لا تختلف عن أي منهما، فضلاً عن كونهما يعانيان القدر نفسه من مكابدة آلام الحياة ـ كما أن الحنين المحفور في قرارة روح الرجل هو الحنين نفسه المحفور في روح المرأة ـ والذكاء العالي أو النمطي عند الجنسين لا يختلف وهذا ما يؤكده باحثون بارعون من علماء النفس والاجتماع، وهم لحسن الحظ ـ من الرجال والنساء .. وما قيل عن إقصاء المرأة من عالم الإبداع والكتابة قروناً طويلة، لم يكن إقصاءً كاملاً فقد ظل للمرأة حضورها المحدود وبقي لها دائماً صوتها في الشعر ـ وفي الفكر حتى في أكثر العصور ظلاماً وإقصاءً.واسأل نفسي قبل أن يسألني القارئ: لماذا هذه التوطئة البديهة، وأجيب بأن هنالك محاولات تسعى إلى العبث بحاضر الإنسان ومستقبله في افتعال خلاف بين الرجل والمرأة من حيث النظرة إلى الحياة ومن حيث المؤهلات الذاتية في الإبداع لكل منهما، وهو افتعال واضح البطلان ومع ذلك يلقى لدى بعض المبدعات صدى يجعلهن يتحولن معه إلى مواقف مناوئة للرجال والمبدعين منهم بخاصة بدلاً من مشاركتهم جهدهم في الكتابة الإبداعية الجديرة بالبقاء وحتى الدخول في منافستهم والتفوق عليهم، وهناك مبدعات في مجال الكتابة الشعرية، كما في مجال الكتابة السردية مؤهلات للتفوق على الرجال ليس بفضل ميزة أنثوية خاصة وإنما بفضل ما يبذلنه من جهد ومن قدرة على التجريب وطرح الأسئلة الجديدة في صقل الإبداع وفي بعض نماذج هذه المختارات من الإبداع السردي النسوي في اليمن ما يبشر بقرب زمن ذلك التفوق.بضم كتاب (يوم كان السرد أنثى) ثلاثين نصاً سردياً لثلاثين قاصة يمنية من الحاصلات على مؤهلات جامعية وكان يمكن للعدد أن يرتفع إلى الضعف لو لم تتردد بعض المبدعات عن المشاركة في دخول هذه الباكورة من المختارات ـ كما تشير الى ذلك المقدمة ـ والنصوص تفصح عن تنوع في الأساليب وثراء في الرؤى وكل نص يفصح عن مستوى التكوين الفني لساردته ومدى استيعابها لمقومات هذا الفن والاستعداد لاختراق قاعدته التقليدية التي أعاقت تطور القصة ووقفت بها عند حدود (الحدوثة) او (الحزوية) وفقاً للتوصيف المحلي الدارج والمنحدر من العالم الحكائي الفطري للأمهات والجدات في المدن والقرى.بهذا المعنى يمكن النظر إلى هذه النصوص الثلاثين، وفيها النص الذي نجح إلى حد بعيد في تمثل رؤى السارد أو بالأصح الساردة المعاصرة شكلاً ومضموناً .. والنص الذي يحاول امتلاك العناصر الفنية القادرة على امتلاك بنية السرد الإبداعي الجديد .. وفي تقديم مقتضب كهذا لا مكان للحديث عن كل نص على حدة، لكنني أعد المبدعات اولاً والقارئ ثانياً بأن أعود إلى هذه المختارات بنية القراءة النقدية، الموسعة والباحثة عن التنوع والملامح الخصوصية.أخيراً .. لم يبق في هذا التقديم متسع سوى الشكر العميق للباحثة القاصة المبدعة ريا أحمد، على منحي فرصة السبق في الإطلاع على هذه الباكورة من المختارات السردية التي أتمنى لكاتباتها مزيداً من الإبداع والانطلاق.هكذا كان تقديم الكتاب من قبل المفكر اليمني العربي الكبير وأحد رموز الأدب والإبداع الإنساني.. فارس الشعر الدكتور عبدالعزيز المقالح الذي دافع عن المرأة في هذا التحدي وأنتصر كعادته لأجلها ليدفع بها إلى الأمام نحو مواجهة جديدة وتحد آخر عنوانه سيكتب بأنامل من نور وفرح وإصرار لمبدعه يمانية تضع ملاحم جديدة ومتجددة.
|
ثقافة
يوم كان السرد أنثى .. تحدٍ آخر عنوانه (حواء)
أخبار متعلقة