
تختطف الميليشيا الأئمة الذين لا يتبعون توجهها، وتصادر المنابر التي تذكّر اليمنيين بثورتهم، وتطارد كل مثقف أو كاتب يعبّر بحرية عن رفضه لمشروع الولاية. أما القمع الذي يكابده الأكاديميون والأطباء والمعلمون في مناطق سيطرتها، فهو نتاج منظومة قهرٍ ممنهج هدفها إسكات العقل الوطني، وتجفيف منابع الوعي الجمعي الذي ترى فيه الميليشيا تهديدًا وجوديًا لمشروعها العقائدي.
فالميليشيا تدرك أن معركتها الحقيقية ليست فقط في الميدان العسكري، بل في الوعي والفكر والذاكرة الوطنية. إن دحض خرافة “الولاية الإلهية” وفضح تهادفها التاريخي والفكري كفيل بإسقاط مشروعها من جذوره، ولهذا تحارب الكلمة كما تحارب البندقية.
ولعل اختطاف المحتفلين بسبتمبر والمثقفين والأئمة ليس سوى وسيلة لقمع المجتمع ومنع تسيد الوعي الجمهوري، إذ تعلم الميليشيا أن أي صحوة وطنية واسعة ستقوّض مشروعها القائم على الاستعباد المقدس، وأن كل كلمة تُقال في ذكرى الثورة تمثّل رصاصة في صدر الكهنوت.
إن الصراع في اليمن اليوم لم يعد مجرد صراعٍ سياسي أو عسكري، بل معركة هوية ووجود بين مشروع الدولة الجمهورية، الذي يؤمن بالحرية والمواطنة والمساواة، وبين مشروع الولاية الذي يسعى لإعادة اليمنيين إلى عصور الطاعة العمياء والحق الإلهي في الحكم. وفي هذه المعركة، يبقى صوت سبتمبر هو الصوت الأعلى، لأنه صوت الوعي، وصوت الحرية، وصوت الدولة التي لا ولن تموت.