إضراب المعلمين في عدن.. بين شرعية المطالب وتهديد مستقبل أبنائنا

لا أحد ينكر أن المعلمين في عدن وفي اليمن عموما يعانون من ظروف اقتصادية صعبة وتحديات مهنية جسيمة. فضعف الرواتب، وغياب الحوافز، وتدهور بيئة العمل كلها عوامل تستدعي وقفة جادة من الجهات المعنية. ومن الطبيعي أن يسعى المعلمون إلى تحسين أوضاعهم، فهم الركيزة الأساسية لأي نهضة تعليمية، ولا يمكن الحديث عن جودة التعليم دون ضمان حياة كريمة للمعلم.
المشكلة لا تكمن في المطالب بل في توقيت طرحها وآلية التعبير عنها، فالإضراب في بداية العام الدراسي يربك العملية التعليمية، ويضعف ثقة المجتمع في المدرسة، ويُحمّل الطلاب ثمنًا باهظًا لا ذنب لهم فيه. ومع تكرار هذا السيناريو، بدأ المجتمع “دون وعي” ينظر إلى المعلم كخصم لا كشريك في بناء الأجيال، وهو أمر خطير يُهدد مكانة المعلم ودوره الريادي.
وهنا يبرز سؤال جوهري: لماذا تقتصر الإضرابات على محافظة عدن؟ فالمعلمون في المحافظات الأخرى يعانون من ذات الظروف وربما أسوأ، ومع ذلك يواصلون أداء رسالتهم التعليمية بكل التزام وتفان. هذا التفاوت يثير تساؤلات حول طبيعة العمل النقابي في عدن، وأسلوب إدارة المطالب، ومدى إدراك النقابات لتأثير قراراتها على المجتمع والطلاب. إن المقارنة بين المحافظات تُظهر أن هناك طرقًا أخرى للتعبير عن المطالب دون الإضرار بالعملية التعليمية، وأن الالتزام بالرسالة التربوية لا يتعارض مع السعي لتحسين الحقوق.
إن استمرار هذا النهج التصعيدي يُعمّق الفجوة بين المعلم والمجتمع، ويضعف فرص تحقيق المطالب نفسها. فالحوار المسؤول، والتخطيط المشترك، والبحث عن حلول واقعية هي السبيل الأمثل لضمان حقوق المعلمين دون الإضرار بمصلحة الطلاب. كما أن على وزارة التربية والتعليم أن تُبادر إلى فتح قنوات تواصل دائمة مع النقابات وتقديم خارطة طريق واضحة لتحسين أوضاع المعلمين تدريجيًا.
المعلم ليس خصمًا للمجتمع بل شريكه في البناء والتقدم، ومطالب المعلمين ليست عبئًا بل استثمار في مستقبل الوطن. لكن هذا الاستثمار يجب أن يتم بحكمة وبأساليب لا تُهدد العملية التعليمية، ولا تربك الأسر، ولا تُحمّل الطلاب أعباء إضافية، فالتعليم مسؤولية جماعية والمعلم قلبها النابض فلنحافظ عليه لنمنحه ما يستحق دون أن نفرط في مستقبل أبنائنا.