.jpeg)
باريس ببرج ايفل، وموسكو بالكرملين والساحة الحمراء، ونيويورك بتمثال الحرية، والصين بسور الصين العظيم، ومصر باهرامات الجيزة وابي الهول، ولبنان بآثار بعلبك ودمشق بالجامع الأموي الكبير، وحضرموت بناطحات سحاب الطين في شبام، ومنارة المحضار في تريم ...الخ من بلدان وعواصم العالم التي لكل منها معلم او أثر تاريخي أو أكثر إلاَّ عدن .....!
كان لها ذات زمن ليس ببعيد، عدد من المعالم، فقدته تدريجياً عبر الزمن، وخاصة خلال النصف الأخير من القرن العشرين الماضي .
أول هذه المعالم، عندما فقدت باب عدن، أو “العقبة “ حين فجرها الإنجليز في ستينيات القرن الماضي( ١٩٦٣م)، وكان المبرر حينها توسعة طريق السيارات المؤدي من المعلا إلى كريتر والعكس بحيث يتسع لسيارتين في الاتجاهين. وثاني هذه المعالم ؛ طواحين الهواء العملاقة ( المملاح ) في خور مكسر
التي تعود إلى زمن الشركة الإيطالية سنة 1886م لكن بكل أسف تمت إزالة هذا المعلم التاريخي الهام في منتصف سبعينيات القرن العشرين الماضي تحت مبرر تطوير المملاح وكأنه لا يوجد حل آخر غيره !!
وكرت المسبحة، فطالت مسجد أبان الذي يعود بناؤه إلى القرن الهجري الأول، وهو أول مسجد بني في عدن، وقد تم إزالته بعد حرب 94 الظالمة ضد عدن والجنوب حيث جرت عملية تجريف ممنهجة لعدن وهويتها وتاريخها العريق، ومن ذلك هدم مسجد الهاشمي وضريح ولي الله هاشم بحر في الشيخ عثمان وإنشاء مسجدين جديدين مكانهما ...!
كما أخذت عدن تفقد هويتها كمدينة تسامح ديني وثقافي و عرقي تدريجياً، والتي كانت جزءًا من هويتها الدينية والإنسانية والمدنية، اختفت العديد من معالمها الكنسية والكنيسية وغيرها من معابد الجاليات التي كانت تقطن عدن والذين اشتركوا في صناعة نموها وازدهارها الاقتصادي والتجاري والثقافي، ففقدت المدينة هويتها كمدينة تعايش إنساني عبر التاريخ ...
وبالكاد سلمت ساعة “بيج بن “الصغرى في مرتفع بتل في حي التواهي التي أنشئت سنة 1890 من مصير مماثل، وبعد أن توقفت عن العمل بعد رحيل الانجليز لسنوات . برج الساعة ظل قائماً رمزاً لزمن مضى ولن يعود !!، غير ان الساعة عادت للدوران سنة 2012 بعد إعادة ترميمها واستبدال القطع المتعطلة.
لم يبق لعدن الكثير من معالمها التاريخية بعد أن تعرضت خلال الفترات الماضية لهجمة شرسة غيرت الكثير من طابعها التاريخي و الثقافي، وشمل ذلك دور السينما التي تعتبر الأقدم في منطقة الجزيرة والخليج، حتى أن المرء إذا فكر اليوم أن يقضي سهرة مع أسرته لن يجد دار سينما واحدة في عدن يمكنه الذهاب إليها !!!
تصوروا أن عدن التي عرفت اول عرض سينمائي سنة 1910م، وأول دار سينما سنة 1918 ( سينما المستر حمود) قسم E بالقطيع وبني فيها منذ نهاية ثلاثينيات وبداية اربعينيات القرن العشرين الماضي نحو 12 دار سينما، منها 5 في كريتر وحدها ليس اليوم فيها بعد أكثر من قرن، دار سينما واحدة !!!
لم يبق لعدن بكل اسف غير القليل من معالمها التاريخية، لعل من أهمها صهاريج الطويلة التي قاومت وتقاوم الزمن، وقلعة صيرة، وكنيسة القديسة ماريا التي بنيت سنة 1871م وحولت إلى مقر المجلس التشريعي لعدن سنة 1947م وبعد الاستقلال استخدمت لأكثر من غرض منها مركز البحوث والآثار. وبعض المباني هنا وهناك ذات الطابع المعماري الخاص والمميز خاصة في كريتر أقدم أحياء عدن . ومن هذه المباني مبنى مكتبة “ليك” التي بنيت سنة 1919م وسميت بعد ذلك “مكتبة مسواط” الكاتب والقاص العدني المعروف محمد سعيد مسواط . وقصر الشكر في الخليج الأمامي قصر السلطان العبدلي الذي يعود بناؤه إلى سنة 1912 - 1918م، وأصبح بعد ذلك مقرا للمتحف الوطني ومقرا للقيادة العامة للجبهة القومية، ومقرا لصحيفة 14 اكتوبر. و من هذه المباني اسواق البلدية في التواهي والشيخ عثمان.
ما الذي يجري لعدن ؟ هذه المدينة الجميلة والرائعة التي كانت الأولى في كل شيء في التعليم الحديث، والاذاعة والتلفزيون، والحياة النيابية والادارة والبنوك والتجارة والمكتبات والطباعة والصحافة والنقابات والأحزاب والحياة الديمقراطية والمدنية وقادت قافلة التنوير لما ومن حولها من بلدان . لماذا تكافأ بجزاء “سنمار”، الكل يريد أن يفقأ عينيها، أو يلقي بها من حالق ؟!!
لماذا ؟!! وفضلها على الجميع ؟! وكأنها مدينة مستباحة لمن هب ودب، لكل من ملك القوة والعنجهية، فلم يعد هناك مكان لذوي العقل والعلم، فساد الجهلة و”الرويبضة” الذين لايرون حياة لهم إلا بتدمير كل ماهو جميل في هذه المدينة الرائعة ...
أهكذا تريدون لعدن التي أحببناها، ونحبها وسنظل نحبها إلى الأبد؟!!
إذا كنتم لاتحبونها فهذا شأنكم.. !
إذا كنتم لاتحبون الحياة إلا لكم فهذا شأنكم...! لكن لاتدمروا عدن .
عدن بالنسبة لنا هي الرئة التي نتنفس منها ..بها نحيا وتحيا بنا، فلا تقتلوها وتقتلونا ..!