
بين الوكالة والاصطفاف
لقد دأبت جماعة الحوثي، منذ انقلابها على الدولة في 2014، على تعزيز ارتباطها العضوي بالمحور الإيراني، أيديولوجيًا وعسكريًا وأمنيًا. ولا يُخفى أن الدعم الإيراني—سواء عبر الحرس الثوري، أو شبكات التهريب، أو تقنيات الطائرات المسيّرة والصواريخ—قد شكل العمود الفقري لاستمرار مشروع الحوثي وتوسّعه، بل وقدرته على تحدي الجهود الأممية والإقليمية لإحلال السلام.
في هذا السياق، فإن اشتعال مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، وما قد يصاحبها من استنزاف لقدرات طهران العسكرية والاقتصادية، أو تدمير للبنية التحتية لشبكاتها الأمنية والاستخبارية، يمكن أن يعيد ضبط تموضع جماعة الحوثي ويجبرها على مراجعة تكتيكاتها التوسعية، ويفرض عليها الانخراط في مسار سياسي بشروط أكثر واقعية.
لحظة نادرة لإعادة التموضع
يمنح هذا التغير المحتمل، ولو جزئيًا، تحالف دعم الشرعية في اليمن فرصة نادرة لإعادة رسم ملامح العملية السياسية على أسس أكثر توازنًا. فالحرب، رغم كلفتها، قد تضعف قدرة طهران على تمويل وتسليح حلفائها، وتجعل تكلفة مواصلة الصراع بالنسبة للحوثيين أعلى بكثير مما كانت عليه في ظل وفرة الموارد والدعم الإيراني المباشر. ومن ثم، قد تنفتح ثغرة في الجدار السياسي المغلق الذي طالما عطّل جهود التسوية.
إلا أن اغتنام هذه اللحظة يتطلب يقظة سياسية ودبلوماسية عربية شاملة، خصوصًا من قبل السعودية، باعتبارها الطرف المحوري في المعادلة اليمنية، ومن دول الخليج التي تقود، أو يمكن أن تقود، جهود الإعمار والاستقرار في مرحلة ما بعد الحرب.
حرب باردة أم فرصة للتسوية؟
لكن الصورة ليست بهذه البساطة. فمآلات الحرب بين إيران وإسرائيل لا تزال مفتوحة على عدة سيناريوهات، وبعضها قد يحمل عواقب عكسية على فرص السلام. فإذا طال أمد الصراع دون حسم، أو تمدد إلى ساحات إضافية كالعراق وسوريا ولبنان واليمن، فإن وكلاء إيران قد يستغلون اللحظة لتبرير استمرار النزاع، بل وتقديم أنفسهم كجزء من “محور المقاومة” في وجه “العدوان الإسرائيلي”.
وفي هذا السياق، قد تلجأ جماعة الحوثي إلى تصعيد عملياتها في البحر الأحمر أو الأراضي السعودية أو حتى في العمق اليمني الخاضع للحكومة الشرعية، بدعوى الانخراط في المعركة الإقليمية الكبرى. كما أن التحشيد الطائفي والمذهبي قد يتضخم، مما يقوّض إمكانيات بناء توافق وطني جامع داخل اليمن.
الحاجة إلى دبلوماسية استباقية
من هنا، فإن الطريق إلى السلام ليس تلقائيًا، ولا ينتج عن ضعف الحوثيين فحسب، بل يتطلب تصميمًا إقليميًا ودوليًا على توجيه مخرجات الصراع الإقليمي نحو حلول سياسية لا نحو مزيد من الاستقطاب. وهذا يفرض على الأطراف اليمنية، برعاية الأمم المتحدة، أن تستعيد زمام المبادرة السياسية، وتعيد بناء العملية التفاوضية على قاعدة المرجعيات الثلاث، مع تطوير آليات مرنة لإدماج الفاعلين المحليين في حل مستدام.
وفي المقابل، على المجتمع الدولي، خاصة واشنطن ولندن وباريس، أن تدرك أن تآكل النفوذ الإيراني في اليمن لا يعني بالضرورة انتصارًا آليًا للشرعية، بل قد يؤدي إلى فراغ تستغله قوى أخرى، إن لم يُملأ بمشروع سياسي جامع وموثوق.
خلاصة
في ميزان التحولات الإقليمية، قد تبدو الحرب الإيرانية الإسرائيلية كارثة استراتيجية، لكنها تحمل في طياتها فرصة نادرة لإعادة تشكيل مسار السلام في اليمن. وإذا أحسن الفاعلون الإقليميون استثمار اللحظة، فإن ضرب منظومة الدعم الإيراني للحوثيين قد لا يختزل الصراع، لكنه على الأقل قد يفتح نافذة ضيقة، لكنها حاسمة، نحو تسوية سياسية ممكنة. إنها لحظة اختبار حقيقي: إما أن تتحول رياح الحرب إلى طاقة دفع نحو السلام، أو أن تُترك لتزيد الحطام فوق الحطام.