
في خضم تصاعد التوترات الإقليمية وتبدّل موازين القوى على الساحة الدولية، عاد اليمن ليتصدّر المشهد بوصفه إحدى أكثر البؤر تعقيداً وتداخلاً للمصالح في منطقة الشرق الأوسط. فالحرب لم تعد شأناً داخلياً أو نزاعاً محصوراً بين أطراف يمنية، بل باتت تتقاطع فيها رهانات إقليمية ودولية، تُستثمر فيها الجماعات المسلحة كوكلاء، ويُعاد عبرها رسم خرائط النفوذ. اتفاق وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي، الذي أُبرم بوساطة عُمانية، يُعدّ مؤشراً على تحوّل في مقاربات التعامل مع الأزمة، لكنه يبقى حبراً على ورق ما لم يُترجم إلى مسار سلام شامل ومستدام.
1 - تهدئة بحرية أم شرعنة مقنّعة؟
الاتفاق غير المُعلَن الذي جرى بين واشنطن وجماعة الحوثي يثير مخاوف من تحوّل الإجراءات الأمنية البحرية إلى بوابة غير مباشرة للاعتراف السياسي بجماعة خارجة على الشرعية اليمنية والدولية. إذ يبدو أنّ الأولوية في الوقت الراهن هي لضمان أمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ولو على حساب المبادئ القانونية والأخلاقية. هذا المنطق يفتح الباب أمام سابقة خطيرة، يُكافَأ فيها من يهدد التجارة العالمية بنفوذ تفاوضي، ما يُضعف منظومة القانون البحري الدولي ويشوّش على مفهوم الشرعية.
تحذير: القبول الضمني بهذا الواقع يفتح المجال أمام تكرار هذا النموذج في مناطق أخرى، ويُقوّض أسس النظام الدولي الذي يُفترض أن يُجرّم الابتزاز المسلّح لا أن يكافئه.
2 -النووي الإيراني وسلوك الوكلاء.. بين الاحتواء والتفجير
إنّ سلوك جماعة الحوثي لا يمكن فصله عن موقعها كأداة في الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية. وتشير مؤشرات عدّة إلى أن طهران قد تستخدم ورقة الحوثيين ضمن حزمة أدواتها التفاوضية في الملف النووي. فإذا أحرزت المحادثات بين واشنطن وطهران تقدّماً، فربما تمارس إيران ضغوطاً لكبح جماح وكلائها. أما إذا فشلت، فقد نشهد تصعيداً متجدداً في البحر الأحمر يُستخدم كورقة ضغط وابتزاز.
تحذير: ربط الملف اليمني بالمساومات النووية يُفرغه من مضمونه الوطني، ويحوّل البلاد إلى رهينة حسابات إقليمية لا تعني الشعب اليمني في شيء.
3 - التصعيد الإسرائيلي ضد الحوثيين: البحر الأحمر على حافة الانفجار
تزايدت في الآونة الأخيرة الضربات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع حوثية، في إطار ما يُقال إنه ردّ على تهديدات الملاحة أو مواجهة نفوذ إيران في المنطقة. هذا التصعيد يحمل في طياته خطر فتح جبهة جديدة على سواحل البحر الأحمر، تكون فيها إسرائيل وإيران والولايات المتحدة أطرافاً مباشرة، وقد تُستدرج إليها أطراف عربية أخرى، ما يهدّد بتحوّل الأزمة اليمنية إلى نزاع إقليمي مفتوح.
تحذير: توسّع رقعة الصراع إلى البحر الأحمر يهدد أحد أهم الممرات البحرية العالمية، وقد يُفضي إلى انهيار الهُدن الحالية واندلاع مواجهات يصعب احتواؤها.
4 - التصعيد الحكومي المحتمل: معركة بلا بوصلة؟
استعداد القوات الموالية للحكومة الشرعية لاستئناف العمليات العسكرية في بعض الجبهات يبدو مدفوعاً بعوامل سياسية داخلية أكثر منه بخطة استراتيجية متكاملة. فالانقسامات داخل مجلس القيادة الرئاسي، وتراجع ثقة الشارع بالحكومة، يعوقان بناء جبهة سياسية وشعبية صلبة تدعم أي تحرّك عسكري.
تحذير: أي تحرّك عسكري في غياب رؤية سياسية جامعة وإصلاحات داخلية حقيقية سيُفضي إلى نتائج عكسية، وقد يُستغلّ من الحوثيين لتعزيز خطابهم التعبوي.
5 - المسار السياسي في مهب الريح: نحو تقسيم ناعم؟
في ظل غياب أفق سياسي واضح واستمرار تفكك مؤسسات الدولة، يتّجه اليمن نحو حالة “تقسيم ناعم”، تتوزع فيها السلطة فعلياً بين كيانات شمالية وجنوبية، وسط فراغ دستوري وضمور في دور الدولة المركزية. ومع غياب مشروع وطني موحّد، تبدو فرص إعادة بناء الدولة أكثر ضبابية من أي وقت مضى.
توصيات لصنّاع القرار الإقليميين والدوليين:
1. دعم مسار تفاوضي شامل برعاية أممية ملزمة، يتجاوز التفاهمات الثنائية المؤقتة.
2. تحييد الملف اليمني عن المقايضات النووية وتكريس خصوصيته كسياق سيادي مستقل.
3. الحؤول دون توسّع العمليات الإسرائيلية في البحر الأحمر لما لها من تبعات كارثية على الاستقرار الإقليمي والدولي.
4. تشجيع إصلاحات هيكلية تعيد الثقة بالمؤسسات الرسمية وتدعم بناء شرعية داخلية متينة.
5. تمكين وساطة إقليمية متزنة (مثل سلطنة عمان) بمهمات واضحة ودعم دولي فعّال.
خاتمة:
إنّ اختزال الأزمة اليمنية في معادلات إقليمية أو استخداماتها كورقة تفاوضية في ملفات كبرى، يُعدّ خطأً استراتيجياً لا يُغتفر. وحده الحل السياسي الوطني، القائم على شراكة داخلية حقيقية، والمدعوم برؤية إقليمية مسؤولة، قادر على كسر حلقة العنف المستدام واستعادة سيادة الدولة اليمنية.