
الناس يموتون، نعم، حرفيًا، والمشهد لم يعد يحتمل التأجيل أو التبرير. فالأمر لم يعد مجرد أرقام في تقارير رسمية، بل قصص موجعة في كل بيت، كل حي، وكل شارع، ووسط هذا الموت البطيء، لا تزال الحلول الرسمية تقتصر على الرش العشوائي، الذي يشبه “النفخ في قربة مخزوقة” لا تخطيط، لا استدامة، ولا إحساس بأن المدينة تنزف. المستنقعات كما هي، القمامة تتكدس، ومستنقعات البعوض تُفرّخ الموت أمام أعين الجميع.
هل تعتقد الجهات المعنية أن بضعة أيام من الرش ستقضي على وباء يتغذى من بيئة موبوءة؟ أم أن حياة الناس باتت رخيصة إلى هذا الحد؟
في عدن، المستشفيات الحكومية لم تعد تقدم شيئًا سوى الجدران. من يدخلها، يخرج كما دخل، وربما أسوأ، لا أطباء، لا أدوية، لا أجهزة، وحده الانتظار الطويل، ثم الموت، أما المستشفيات الخاصة، فهي خارج نطاق المواطن البسيط، محجوزة لمن يملك المال فقط، فكيف يطلبون من موظف راتبه خمسون ألف ريال - يتقاضاه كل ثلاثة أشهر - أن يدفع تكاليف علاج، وتحاليل، وأدوية؟ أين يذهب الفقير حين يمرض؟ هل أصبح المرض حكرًا على الأغنياء فقط؟
بكل مرارة، وبصوتٍ يملؤه الحزن، نقولها: عدن منكوبة. منكوبة بأمراضها، بعجزها، وبحكومتها التي لم تعد ترى، ولا تسمع، ولا تتحرك، مدينة تُصارع الموت، وسكانها يذبلون يومًا بعد يوم، بينما صمت الدولة يُطبق على كل الجهات.
من سيتحرك؟ من سينقذ عدن قبل أن نُفيق ذات صباح على كارثة أكبر؟ أم أن المدينة تُركت لمصيرها، بلا ضمير، بلا قرار، وبلا قلب يشعر بألم من فيها؟
عدن لا تطلب الكثير... فقط الحياة... فهل هذا كثير؟!!