كانت حضرموت خلال الأيام الماضية محور الاهتمام وفي قلب المشهد المحلي والإقليمي والدولي، وهذا أمر طبيعي لما لحضرموت من أهمية تاريخية وحضارية وثقل سياسي واقتصادي وموقع استراتيجي في الحسابات المحلية والإقليمية والدولية. وإن كانت الأحداث الأخيرة قد استولت على مركز الاهتمام ونالت حظها من ردود الأفعال التي لاتزال متواترة، فإن أبرز ما كشفت عنه الأزمة الراهنة هو تسليط الضوء غير المسبوق على حضرموت، بما تحمله من أهمية جيوسياسية وثروات استراتيجية، وما أثارته من تنافس محموم بين القوى المختلفة على النفوذ فيها، مثلما يقول الأستاذ عبد الحافظ الجابري.
غير أن حدثين ثقافيين عن حضرموت وفيها لم يحظيا بما يستحقان من اهتمام. وأعني بهما: إدراج اليونسكو «الدان الحضرمي» على قائمة التراث العالمي غير المادي، حيث أدرجت لجنة التراث الثقافي غير المادي التابعة لليونسكو في دورتها العشرين المنعقدة في مدينة نيودلهي ملف «جلسة الدان الحضرمي» على قائمة التراث العالمي غير المادي، بعد جهود استمرت لسنوات، منذ أن بدأت فكرة إلى أن تحولت اليوم بهذا الإعلان إلى واقع ملموس.
والحدث الثاني: استكمال مؤسسة حضرموت للتراث والتاريخ والثقافة بالمكلا استعداداتها للاحتفاء بمرور (ثلاثة آلاف وخمسمائة عام) على قيام مملكة حضرموت القديمة، ضمن جهودها لإدراج تلك المملكة العظيمة أيضاً ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
وهذا يعني أن حضرموت لم تبزغ فجأة من العدم بحيث تذكرها الجميع فجأة ويوليها كل هذا الاهتمام! وهو ما ذكرني بمقولة كان الشهيد المغفور له بإذن الله صالح أبوبكر بن حسينون يقولها بلهجته الحضرمية الساخرة عندما كثرت الادعاءات الغربية بوجود قاعدة عسكرية روسية في جزيرة سقطرى: (لبوهم الراعة، وكأن سقطرى ظهرت فجأة من البحر). وإمعانا في السخرية يضيف: (يجيبوا حبل ويسحبوها!! إذا قدروا).
مملكة حضرموت القديمة التي يجري الاحتفاء بمرور 3500 عام تقريبًا على قيامها، كانت إحدى الممالك العربية الجنوبية، وقد تمركزت شرقاً حول وادي حضرموت، وعاصمتها كانت شبوة، اشتهرت بتجارة البخور واللبان عبر «طريق البخور»، وهي ثروة كان لها من الأهمية في العالم القديم ما للنفط في عالم اليوم، وأهم موانئها «قنا»، وكانت قوة سياسية وتجارية مزدهرة، ومركزاً حضارياً زراعيّاً وتجاريّاً هاماً في جنوب الجزيرة العربية، ولها تاريخ عريق مرتبط بالأحقاف، كما في المصادر الدينية. وكانت تقع شرق الممالك العربية الجنوبية، حول وادي حضرموت ووادي المسيلة، مطلة على المحيط الهندي، وعاصمتها مدينة شبوة القديمة، وتحتل موقعًا استراتيجيًا مهمًا على طريق البخور، ومقرًا للحكم والعبادة.
واشتهرت مملكة حضرموت القديمة بتجارة البخور واللبان والمُر، والزراعة المتقدمة بفضل السدود والقنوات، والصناعة البحرية. ولعبت دوراً محورياً في طريق البخور، الذي ربط جنوب الجزيرة العربية بالعالم القديم، مما أثرى خزائنها وزاد من نفوذها.
وكشفت النقوش المسندية عن تنظيمها السياسي، والزراعي، ودورها التجاري، وذكرت آلهتها مثل الإله (سين)، بحسب مقال «بي بي سي» عن تاريخ حضرموت.
وعُرفت بأرض الأحقاف، وقد ذكر اسمها في التوراة بلفظ «حضرماوت». وهو اسم ظلت تحتفظ به حضرموت عبر التاريخ وحتى اليوم مذ قامت مملكة حضرموت القديمة في جنوب شرق بلاد العرب قبل حوالي 3500 عام تقريبًا، وكان لها شأن عظيم اقتصاديا في العالم القديم بوصفها أرضًا للبخور واللبان، وهي سلعة في غاية الأهمية لذلك العالم مثلما هو النفط لعالمنا اليوم. ويطلق على ملوكها ملوك اللُبان، كما يطلق اليوم على ملوك النفط، مما يعني أنها كانت سلعة استراتيجية في غاية الأهمية للاقتصاد الوطني.
الغاية من الاحتفاء بهذه المملكة العظيمة - كما أوضح الأستاذ خالد سعيد مدرك، رئيس مؤسسة حضرموت للتراث والتاريخ والثقافة بالمكلا - تأتي على طريق الجهود التي تبذلها المؤسسة من أجل إدراج مملكة حضرموت القديمة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وأيضاً من أجل تعريف الأجيال الحضرمية السابقة والحالية «والعالم» بتاريخ مملكة حضرموت القديمة العظيمة والخالدة، التي تعد جزءًا لا يتجزأ من تاريخها وحضارتها وهويتها الثقافية.
حدثان في غاية الأهمية، أضيفوهما إلى رصيد (حضرموت) العظيمة.. تلك الـ(حضارة التي لا تموت)، والعنوان مقتبس من كتاب المهندسة ريم عبد الغني بنفس العنوان.
