
قالت صحيفة نيويورك تايمز إن الهجوم الذي أودى بحياة 3 أميركيين في مدينة تدمر وسط سوريا يشكل تحديا أمنيا وسياسيا بالغ الخطورة للرئيس السوري أحمد الشرع، في لحظة دقيقة تمر بها حكومته في مسارها لإعادة بناء الدولة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.
وأضافت أن الهجوم -الذي نسبته السلطات السورية إلى عنصر مرتبط بتنظيم الدولة الإسلامية– كشف عن استمرار قدرة هذه الجماعة المسلحة على استغلال الثغرات الأمنية رغم تعهدات الحكومة الجديدة بمحاربته، كما سلط الضوء على هشاشة الوضع الأمني وتعقيد المشهد السياسي في البلاد.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت مقتل اثنين من جنودها ومترجم أميركي وإصابة 3 عسكريين في هجوم شنه مسلح وصفته بالمنفرد من تنظيم الدولة، السبت، أثناء لقاء عسكريين أميركيين مع قيادات أمنية محلية قرب تدمر وسط سوريا.
وقالت الداخلية السورية إن المهاجم -وهو عنصر منتسب للأمن الداخلي في البادية السورية- كان قد صدر بحقه تقييم بأنه ربما تكون لديه "أفكار تكفيرية أو متطرفة"، وأكدت أن المسلح المنفرد التابع للتنظيم تسلل إلى اجتماع بين القوات السورية ووفد من التحالف الدولي لمناقشة جهود مكافحة التطرف.
ورغم نفي المسؤولين الأميركيين تفاصيل الاجتماع، فإنهم لم ينكروا تحذير سوريا المسبق من هجمات محتملة للتنظيم على القوات الأميركية.
وفي تحليلها الإخباري للحادث، أفادت نيويورك تايمز بأن الشرع ظل يواجه، منذ وصوله إلى السلطة قبل عام، مهمة شاقة تتمثل في توحيد بلد أنهكته عقود من الحكم الاستبدادي وحرب أهلية مدمرة.
وعلى الرغم من محاولات حكومته إعادة بناء جيش موحد وإطلاق مسار نحو مصالحة وطنية، فإن العنف الطائفي والصدامات المتكررة مع المليشيات الكردية في الشمال الشرقي، ما زالت تعرقل هذا الجهد. ويُظهر هجوم تدمر أن التحدي الأمني لا يزال أحد أخطر العوائق أمام ترسيخ الاستقرار، وفق التحليل.
وترى الصحيفة أن الهجوم يضع العلاقة المعقدة بين دمشق وواشنطن تحت اختبار جديد. فالولايات المتحدة، التي تحتفظ بنحو ألف جندي في سوريا ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، تجد نفسها أمام ضغوط داخلية متزايدة لإعادة النظر في وجودها العسكري، خاصة في ظل دعوات محتملة لتسريع الانسحاب.
ونقلت عن كولين كلارك محلل شؤون مكافحة الإرهاب في مجموعة صوفان -وهي شركة استشارية عالمية في مجال الاستخبارات والأمن مقرها نيويورك– القول إن الهجوم قد يشكل دافعا للرئيس دونالد ترامب لتسريع سحب القوات الأميركية من سوريا.
لكن محللين حذروا من أن أي انسحاب أميركي متسرع قد يخدم مصالح تنظيم الدولة، الذي يسعى إلى توسيع هامش حركته واستعادة بعض نفوذه.
في الوقت نفسه، يعيد الهجوم تسليط الضوء على الخلافات بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الحليف الأساسي لواشنطن في محاربة تنظيم الدولة.
فرغم توقيع اتفاق مبدئي لدمج هذه القوات في مؤسسات الدولة الجديدة، فإن التنفيذ لا يزال متعثرا، وسط تبادل اتهامات حول النوايا الحقيقية لكل طرف. وتتهم دمشق "قسد" باستخدام ملف مكافحة الإرهاب لتكريس سيطرتها على مناطق إستراتيجية وموارد نفطية حيوية.
وعلى الصعيد الدولي، تقول الصحيفة الأميركية إن الحادث يمثل اختبارا لصورة الشرع كزعيم يسعى إلى تقديم نفسه شريكا موثوقا في مكافحة الإرهاب وبناء الاستقرار.
ولتحقيق هذا الهدف، يفيد التقرير الصحفي بأن الشرع عمل منذ توليه الحكم على تحسين علاقاته الخارجية، بما في ذلك مع الولايات المتحدة ودول عربية مجاورة، وانضم مؤخرا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة. غير أن استمرار "الهجمات الإرهابية" يهدد بإضعاف هذا المسار ويثير تساؤلات عن قدرة الحكومة الجديدة على فرض الأمن.
ويؤكد المحللون أنه يتعين على أحمد الشرع مواجهة كل هذه التحديات في الأيام المقبلة، بينما يتعامل مع مجموعة من الضغوط الأمنية والاقتصادية والسياسية. وسيحتاج أيضا إلى إدارة أي تداعيات من الولايات المتحدة، حيث يحقق البنتاغون في إطلاق النار ويتعهد ترامب بالانتقام.
بيد أن مسؤولا عسكريا أميركيا -لم تكشف الصحيفة عن اسمه- قلل من احتمالات شن حملة قصف واسعة أو عمليات كوماندوز كبيرة ضد تنظيم الدولة في سوريا، مؤكدا الحاجة إلى اتباع نهج حذر لتجنب زعزعة الوضع السياسي الهش لحكومة الشرع.
