
14 اكتوبر / خاص :
أصدر مكتب حقوق الإنسان بأمانة العاصمة بياناً بشأن المساس باستقلال السلطة القضائية وتعيين عناصر ذات طابع سلالي وطائفي من قبل مليشيا الحوثي، مؤكداً أن جميع ما يصدرعن هذه الجماعة من قرارات وتشريعات وتعيينات يُعد باطلاً قانوناً لافتقاده الأساس الدستوري والشرعية القانونية.
فيما يلي نص البيان:
يعرب مكتب حقوق الإنسان بأمانة العاصمة عن بالغ القلق والاستنكار إزاء ما أقدمت عليه مليشيا الحوثي الانقلابية من تدخل خطير وممنهج في شؤون السلطة القضائية، من خلال إصدار قرارات مخالفة للدستور والقانون تقضي بتعيين (83) عنصر من خريجي الدورات العقائدية التابعة لها كقضاة متدربين، عقب تعديلات غير مشروعة أجرتها على قانون السلطة القضائية بهدف إحكام سيطرتها على مؤسسات العدالة.
إن هذه الممارسات تمثل انتهاكاً صارخاً لمبدأ استقلال القضاء وسيادة القانون، ومحاولة مكشوفة لتحويل الجهاز القضائي إلى ذراع تنفيذي يخدم أجندة المليشيا السياسية والطائفية، بما يؤدي إلى تقويض ثقة المجتمع بالقضاء واستخدامه كوسيلة للانتقام من المعارضين ونهب الممتلكات تحت غطاء "الأحكام القضائية".
يؤكد المكتب أن جميع ما يصدر عن هذه الجماعة من قرارات وتشريعات وتعيينات يُعد باطلاً قانوناً لافتقاده الأساس الدستوري والشرعية القانونية، كونها جهة غير مخولة بممارسة أي من اختصاصات الدولة أو مؤسساتها، استناداً إلى المادة (4) من الدستور اليمني التي تنص على أن الشعب هو صاحب السلطة ومصدرها، والمادة (149) التي تؤكد أن السلطة القضائية سلطة مستقلة لا سلطان عليها لغير القانون.
كما أن ما قامت به المليشيا من تعديلات على قانون السلطة القضائية يعد تعدياً واضحاً على مبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في المادة (158) من الدستور، ويجسد محاولة لفرض تبعية القضاء للسلطة التنفيذية التابعة للجماعة، بما يتنافى مع أحكام قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م الذي حدد شروط الالتحاق بالسلطة القضائية على أساس الكفاءة والمؤهل العلمي والنزاهة، وليس الولاء الطائفي أو الانتماء السلالي.
وإذ يذكر المكتب بالالتزامات الدولية التي تكفل استقلال القضاء، فإنه يشير إلى المادة (10) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) التي تضمن حق كل إنسان في محاكمة عادلة أمام محكمة مستقلة ومحايدة، والمادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) التي تؤكد الحق في المثول أمام هيئة قضائية مستقلة، والمبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1985، والتي توجب على الدول أن تصون استقلال القضاء دستورياً وتشريعياً، وتمنع أي تأثير أو تدخل سياسي في شؤونه.
يؤكد المكتب أن ما تقوم به المليشيا يشكل سياسة ممنهجة لتفريغ الجهاز القضائي من كفاءاته الوطنية المؤهلة، واستبدالهم بعناصر تدين بالولاء العقائدي للجماعة، تمهيداً لتحويل المحاكم والنيابات إلى أدوات لتصفية الحسابات السياسية وإصدار أحكام معدة سلفاً، في تكرار خطير لنهج النظام الإمامي الذي ثار عليه اليمنيون لإقامة دولة العدالة والمواطنة المتساوية.
كما يُؤكد المكتب أن القرار رقم (48) لسنة 2025م الصادر عن ما تسمى هيئة التفتيش القضائي التابعة لمليشيا الحوثي في صنعاء، والمتعلق بتوزيع خريجي ما يسمى “الدورة التأهيلية لعلماء الشريعة” للتدريب في المحاكم، يُعد مخالفاً للدستور والقانون، حيث نصت المادة (57) من قانون السلطة القضائية صراحة على أن التعيين في الوظائف القضائية لا يتم إلا من بين خريجي معهد القضاء الأعلى بعد اجتيازهم المراحل القانونية والتأهيل المهني اللازم.
إن القضاء لا يمارس بالتجريب أو بالمجاملة السياسية، بل هو مرفق سيادي يقوم على الكفاءة والحياد والالتزام بالقانون، وأي تجاوز لذلك يعد اعتداءً على مكانته واستقلاله وخرقاً لركائز العدالة في الدولة.
إننا في مكتب حقوق الإنسان بأمانة العاصمة ندين بأشد العبارات هذه القرارات والتعديلات الحوثية غير الدستورية، التي تعتبر منعدمة الأثر القانوني، ونحذر من خطورة الزج بالقضاء في الصراع السياسي والطائفي، لما يمثله ذلك من تهديد مباشر للسلم الاجتماعي ووحدة مؤسسات الدولة.
ونطالب الأمم المتحدة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان والمنظمات المعنية باستقلال القضاء باتخاذ موقف واضح من هذه الانتهاكات، ونؤكد أن استقلال القضاء هو أساس حماية الحقوق والحريات، وأن المساس به يُعد انتهاكاً للمواثيق الدولية كافة، ويدعو المكتب إلى استعادة مؤسسات العدالة إلى إطار الدولة اليمنية الشرعية المعترف بها، وإعادة تأهيل الجهاز القضائي بما يضمن نزاهته وحياده وفاعليته .
إن احترام القضاء لا يتحقق بالشعارات، بل بالالتزام بالدستور والقانون، وحماية مبدأ الفصل بين السلطات، وصون العدالة من أي توظيف سياسي أو عقائدي، فالقضاء الذي يدار بمعايير الولاء يفقد شرعيته وهيبته، أما العدالة الحقيقية فتبنى بالاستقلال والكفاءة والحياد .
