لا عجب دون دهشة أن تذهب بنا الأيام لتُسمعنا من ماكينة الجعجعة ليالي طوالاً من غير نهار يُرى، فلا نستشف منها طحينًا يُذكر. لطالما وجدنا تفسخًا ظاهرًا ورقعة قطيعة في علاقة الارتباط بين واقع الأقوال الفارغة وصدق الأفعال. وبالتالي، من الطبيعي أن تبرز على السطح معادلة حسية مجردة من ملامسة نظرية التطابق بينهما، وذلك بسبب غياب دوافع المصداقية في نفسية من ظلوا في رحلتهم الحياتية يصدقون الأقوال ويكذبون الأفعال.
                            
                        إن من مظاهر التضارب والانفصالية بين الأقوال والأفعال، كما نشهدها واقعًا على مسرح الحياة، أن تجد من الناس من يدعون الناس إلى مكارم العفو، وينادون الآخرين إلى طرح قيم التسامح والتصالح، بينما هم يظلون غير متسامحين، لا يصفحون ويتشبثون بالإساءة، ويعلقون في ثوب الحقد، ويوالون الكراهية بمقاييس الخداع والغش والكذب. 
يتحدثون عن مناصرة أخلاق الصدق الرفيعة، ودوافعهم المقيتة تفضح زيفهم. يستنهضون في من حولهم فضيلة الإخلاص ونبل الوفاء ويتخذونها شعارًا، لكنهم هيهات أن يستطيعوا تطبيق هذه المعاني العظيمة في تعاملاتهم الشخصية. يعربون لك عن الاهتمام بالآخرين، وأفعالهم المشبوهة تسيطر عليها ثقافة الأنانية. يظهرون دائمًا بمظهر الورع والتقوى، ودواخلهم تخفي نوايا مغايرة لما يظهرونه في محاولة بليدة مقززة لإيهام الناس بحسن نواياهم. 
ينادون بالعدل، وتصرفاتهم تفتقر إلى معاني الإنصاف والإنسانية. هم أخبث الناس قلوبًا، وأكذبهم حديثًا، لا يستطيعون الانسجام مع فطرتهم. يبدون لك في لحن الحديث بأنهم دعاة للخير، بينما حقيقة أفعالهم قريبة من قطاع الطرق. حالهم كحال من جلسوا على باب الجنة يدعون الناس بأقوالهم ويدعون إلى النار بأفعالهم.
 عجبي ودهشتي من فئة من الناس لم يزل حضورهم على مسرح الحياة اليومية يثير استياءً كبيرًا في مجتمعاتنا، ممن يتحدثون ويسترسلون في فحوى كتاباتهم الوعظية عن أبرز الفضائل الخلقية في حياة الناس، ويضربون لك أمثلة من بشائر الورع والطهر والنزاهة، ويروون لك من قصص الإحسان أعظمها. ولكنهم نماذج بعيدة كل البعد عن ممارسة الصفات الإنسانية الراقية. عاشوا ويعيشون يحملون لواء النفاق على ألسنتهم، ويعانون من انحراف مفصلي قيمي في عمود السلوك العام. هؤلاء، كما نعتقد، في مسيس الحاجة إلى التفكّر ومسارعة اللحاق من خلال الانخراط في دورات وورش تدريبية، لعلها تكسبهم قدرات فعلية تخرجهم من مظالم الخديعة والقول المعسول بالزيف والتدليس إلى تجسيد مظاهر الأفعال واقعًا جليًا بأنوار الصدق والأمانة، باعتبار وجودهم في جنبات الحياة بنفس الصورة المشوهة يمثل استخفافًا بعقول الناس وأفئدتهم.
                            
                                