


14 أكتوير/ خاص:
يتوافد العشرات من العمال مع معداتهم كل صباح إلى موقفهم الذي يسمى حراج العمال ويفترشون الأرض منتظرين من يرسم الفرحة على وجوههم المتعبة ويدعوهم لعملٍ يخلصهم عناء الجوع والفقر. ..
عمالٌ تجاوزت أعمارهم الخمسين عامًا، وآخرون شبابٌ لم يبلغوا سن الثلاثين بعد، وكلهم خرجوا يجمعهم همٌ واحد، توفير لقمة العيش.
بجسد شاحب تبدو عليه تجاعيد الزمن وأثر الهموم التي ضاعفت معاناته جراء تردي الأوضاع المعيشية في البلد، يخرج المواطن الخمسيني عبد اسماعيل سعيد كل يوم إلى رصيف باب بئر باشا بمديرية المظفر ينتظر بلهفة صاحب العمل الذي تسوقه الأقدار، ليزيح عن كاهله هم توفير لقمة العيش لأسرته التي تنتظر عودته بشغف..
ويقول إسماعيل عن معاناته اليومية: لم أعد أستطيع العمل كما في السابق، وأحيانًا أترك العمل في منتصفه وأعود إلى البيت من شدة التعب. ويتابع قائلا: ” لكن ليس باليد حيلة”.
يعيش إسماعيل مع زوجته وأطفاله الخمسة، أكبرهم طفل يدرس في الصف التاسع، ويعتمدون بشكل رئيسي في معيشتهم على ما يجنيه والدهم من عمله اليومي في مجال البناء.
وفي المناسبات الدينية تزداد معاناة العمال كثيرًا، وبخاصة أصحاب الدخل اليومي البسيط فرمضان وعيد فطر هذا العام كانا أكثر مأساوية عليهم من السنة الماضية، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق.
و مع قسوة الحياة والظروف المتردية التي يعيشها العمال في مدينة تعز المحاصرة منذ نحو تسعة أعوام، يلجأ الكثير من العمال إلى ممارسة أكثر من مهنة في الوقت ذاته، وذلك محاولة منهم للهرب من البطالة وإيجاد فرص شاغرة للعمل بشكل دائم.
من جهته يعتقد هزاع حمادي أحد العاملين في مجال البناء والسباكة في آن واحد، أن الاعتماد على مهنة واحدة تجعله عرضة للبطالة والتوقف عن العمل، وإذا لم يكن لديه مصدر دخل جديد يكون في مأزق، بحسب وصفه.
في ذات السياق يتحدث الشاب أحمد الفقيه قائلًا: «بعض الأحيان أتوقف أشهر كاملة عن العمل وذلك بسبب قلة الطلب على المهنة التي أشتغل بها»، مضيفا أن التوقف عن العمل يُشكل عبئًا كبيرًا عليه وخصوصًا في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وعلى الرغم من أن المناسبات الدينية تتميز بنكهة خاصة لدى الكثير من الأسر التعزية ، إلا أنها باتت تحمل لهم الكثير من الهموم والخيبات بسبب تردي الوضع المعيشي، وارتفاع الأسعار وعدم قدرة الكثير من المواطنين على شراء متطلبات تلك المناسبات خصوصا عمال الأجر اليومي.
فمنذ اندلاع الحرب الراهنة في البلاد وسوق العمل في تدهور مستمر، وكان لمدينة تعز النصيب الأكبر من هذا التدهور، فالحصار الذي تشهده المدينة حتى الآن شَلَّ حركة العمل فيها بشكل شبه كلي، هذا الأمر أدى إلى زيادة نسبة البطالة حيث توقف الكثير من العمال عن ممارسة أعمالهم مما فاقم معاناتهم.
يؤكد العامل سيف نعمان الصالحي في حديثه ، أن العمل كان متوفرا بشكل كبير قبل الحرب، أما اليوم فالعمل قليل جدًا مع استمرار الصراع في البلد.
من جانبه يشكو العامل مهيوب حميد الفارعي هو الآخر من قلة العمل خصوصًا في ظل ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد فيقول: “أجرة العمل في الأوضاع الاقتصادية الحالية لا تساوي شيئا، خصوصًا وأن العمل يكاد يكون شبه متوقف”.
يضيف الفارعي أنه لا يستطيع توفير متطلبات المناسبات الدينية ومستلزمات اطفاله المدرسية بسبب عدم قدرته على ادخار المال نتيجة ندرة العمل، وكل ما يستطيع فعله هو توفير ما استطاع شراءه من الأشياء الضرورية بشكل يومي.
إلى ذلك تحدث الحاج هزاع قحطان الصالحي البالغ من العمر خمسين عامًا عن حاله في ظل الظروف الحالية قائلًا :” أصبحنا في حالة يرثى لها، نفتقد فيها لأبسط مقومات الحياة، وكأننا مجهولون، والعمال قدهم مصابين بحالة نفسية نتيجة انعدام العمل” ، ويتابع حديثه بالقول: ”الواحد يتمنى لو أنه ولد في بلاد غير هذه البلاد”.
ويختتم الصالحي حديثه قائلاً إن ارتفاع أسعار السلع الغذائية بصورة كبيرة، جعل البعض يتوقع أنه سيعزف عن شراء بعض المتطلبات الضرورية ، فيما توقع آخرون أن يأخذوا ما استطاعوا أخذه، حتى لاتكون بيوتهم فارغة، بحسب كلامه.