ما يحدث الآن في جنوب السودان المنفصل منذ عامين فقط كيانه الكبير، هو الدرس الأخير، وليس الأول، لمن يريد تقسيم وطنه والعودة به إلى عصر الدويلات والسلطنات.والتجربة السودانية تؤكد الآن بكل وضوح أن ما حدث من فصل جنوب السودان عن شماله كان خطأ استراتيجياً فادحاً سيظل يعاني منه السودان وجنوبه خاصة لعشرات وربما مئات السنين. ولم يكن خافياً أن الاستعماريين عملوا على مدى قرن كامل لفصل جنوب السودان عن شماله وتركزت اهتماماتهم على انشاء المدارس التبشيرية ونشر اللغة الإنجليزية وإعداد قادة الانفصال منذ وقت مبكر، ونجحت تلك القوى بعد جهد طويل في مهمتها وإقامة دولة في الجنوب معترف بها من الأمم المتحدة بوصفها دولة ذات كيان مستقل وسيادة تامة.لكن الصادم لكل المخططات أن الانفصال المعترف به لم يحل المشكلة بل ضاعف من تداعياتها وترك شرخاً كبيراً في النفوس، وفي الواقع بدأ الإحساس بالفراغ منذ أول يوم للتقسيم وظهر الانفصال على حقيقته: ضعفاً في الشمال وما هو أكبر من الضعف في الجنوب الذي وضعه قادته الانفصاليون في مهب العواصف. اليوم تتقاطر على حضرموت قوافل عديدة تحمل الرجال، والعتاد، وترفع شعار التضامن مع الحموم، وتبدو الحالة في المنطقة خارج السيطرة إلا من نقاط أمنية، ومعسكرات تعرضت كثيراً للاعتداء. وسالت حولها دماء كثيرة، وتراجعت هيبة الدولة هناك إلى مستويات لم تعرفها المحافظة من قبل، ترافقت مع مشاعر متأججة، رافضة، ومتمردة، لم تستوعب الاجراءات الحكومية بعد غضبها. وخفتت أصوات العقلاء إلا من رحم ربك.يرفع الجميع شعارات ومطالب مختلفة. الحق كل الحق فإن بعضها مما يمكن تحقيقه، فيما البعض الآخر يبدو مبالغاً فيه حد الغلو. فقد ركبت القوى المعادية لوحدة الوطن هذه الهبة وهي تحاول قيادتها إلى الوجهة التي تريدها.الآن يبدو المشهد مقلقاً فأصحاب المشاريع الصغيرة، وجدوا في الحادث ضالتهم، وجدوا سبباً وجيهاً للتحرك نحو أهدافهم. لهذا يقومون بالتحشيد نحو حضرموت، والقول بأنهم يتضامنون مع الحموم غير مقنع، فقد توالت على المحافظة أحداث كثيرة وسالت دماء غزيرة بفعل الارهاب وعناصره ولم يتحرك أحد للتضامن هناك مع الشهداء من أبناء المحافظة الذين قضوا نحبهم في أحداث مؤلمة، حتى مجرد بيان تضامن لم يصدر، فما هو القصد من هذا التسعير اليوم وكأن حضرموت داخلة في حرب مع الدولة.من الصبح الباكر، ولمدة يومين، البشر هنا في هجوم على الدكاكين والسوبرماركيتات لاستكمال الهدايا العائلية لليلة الكريسميس:شوكلاتات ومأكولات لا تظهر إلا في هذه الفترة، عطور، ملابس خارجية وداخلية، مفاجآت للآخر، والاهم: كتب.معظم العائلات تشتري لليلة رأس السنة بين كتاب وعشرة كتب أنيقة لأفرادها.ملايين الكتب تباع في هذه الخواتم المباركة التي تسبق ليلة الكريسميس...هجوم عنيف من أجل ازدهار الحب والعشق والثقافة والحياة...في الجانب الآخر من الكوكب، جانبنا، لا يزدهر إلا القتل والموت والظلمات.. النضال الذي يكون سببا في سلب مدن و شوارع وأسواق ساعات النوم الآمنة،وتعكير صفو حركة البيع والشراء أو ضمان السفر في طرقاتها الرئيسة هو نضال(مسخ) انحرف عن تفوقه الأخلاقي والحقوقي من منقذ لهؤلاء المظلومين إلى ساطور على أعناقهم.وبالمقابل وجود أعمال عنف من عناصر محسوبة على الحراك يوفر الشرعية لقمع السلطات الأمنية التي تتحين مثل هذه الفرصة والتي ما كانت لتحصل عليها بغير هذه الأفعال العدوانية حتى منظمات حقوق الإنسان والرافضة لعنف السلطة تجاه الفعاليات السلمية تفقد حجيتها إذا ما كان الطرف الثاني قد تساوى مع الأول في استخدام الوسيلة ذاتها .
للتأمل
أخبار متعلقة