عدنان عباس سلطان انتماء غير مستور للطين والجنوب، عنصران مهمان يتكون من خلالهما اللوح السومري العراقي الأصيل وبين هذين الدالين ينضح الشعر الهفهافة نعومته وثورته وألمه وإخفاقاته التي تشكل معاناة كل أهل هذا الوطن فعندما يكون ضوء الشعر مشتعلاـ كما هو عنوان مجموعته الشعرية (أغاني الضوء) ـ بالكلمات التي تشكل بدورها الدوال فان الشاعر ميثم العتابي يعاني في مجال العتم التي تغطي على سعة كشفه للمأساة الكبيرة المتخطية لخيال الشعر وهنا يتمنى أن يختزل رؤياه في جمع الأشياء مرة واحد ربما يحاول أن يجمعها في دالة واحدة ثم يلف الجرح النازف وينتهي من رقصة الألم: نجمع حدود سماوات الحزن... نخترع درباً واحداً ... لنختزل كل جنوب الأرض الآن..نقطف ورداً..من بستان يقبع في الدرك الأسفل.. من هذا الكونلكن الحرب التي تشكل ضدا ملازما لمعادلة الطين والجنوب تأبى إلا أن تشظي اللوح السومري وتشطره بالدرجة التي تجعل الشاعر يائسا ينفث آخر شهقات حلمه العراقي : نعتمر برق سيوف قبيلتنا.. منذ خيوط الفجر الأولى.. ويؤذن فينا بالجمع.. لنساق كقطيع نعاج للمسلخ... في آخر ساعة.. بعد منتصف الليل.. قبيل بداية طقس التهريب الكبرى.. نلوك تراب مدينتنا وننام ...وضوء الشاعر الذي كان يزعمه إنما هو محض خيال حيث انه تواجد مع آلامه وخيباته التي تتشابه بالمحصلة مع ما يعانيه الآخرون وهم قد تداولوا الفقر والتهميش قسراً جيلاً عن جيل، فيغطس في المأساة مع الغاطسين وها هو يتماهى مع لسان الجدة وهي تروي طرفاً معتماً من الليل الملفع بالآلام والخيبات: ها قد مضوا... وما عاد الدفء يجمعهم.. كبر العيد عليهم ملبسه.. زروا قمصان العمر على عجل.. جمعوا كل ألعاب الأرض وناموا.وفي هذه المداومة يتكون الشاعر كمعنى وكانتماء لما هو إنساني بقالب من الإبداع الشعري المتميز لوناً ومضموناً وبكون هيثم العتابي يكتب القصة فإن ذلك قد بدأ في قصائده كتوظيف للسرد القصصي الشعري أضفى على شعريته جمالاً ونكهة آسرة:(بقيت بضع عباءات في هذا الوطن / المهجر !.النسوة ترتحل عند تراب القبر إلى قبر آخر.. (البخور .. الشمع .. الماء .. الآس).. سينهض من هذا الدغل غريب آخر.. فأنام وملء ذراعي ترابي.رائحة البارود الأسود تدنو من قفصي.. والسماء تقترب حد علو الرأس.. تحاصرني كل مجرات العتمة.. صنعتها آلهة الحرب كركام شظايا.. فقيل: ( هذا عصر الزيتون الآمنأهبط نحو الفراتين، جنتك الأخرى).. واترك عصا الأشعار تقودك في هذا الحلم الأبيض!أمسح عن وجهك لهاث الهجرة.. والثلج ، ونساء البرد كصخر الرعب.. عصر الزيتون الآمن .... يردي الطائر !.. والزيتون يغادر لون الحقل !)ومع كل الخيبات فان الشاعر قد لا يركن على تلك المرافئ المهجورة والتي يصفر بها اليأس وإنما تراه يحاول أن يكون الأمل ظلا مكافئا للإحباط:.. أبحث عن طلع في النخل.. يغازل كل نجوم الليل دون حياء.. أبحث عن امرأة من سومر.. تروي ظمأ النهرين من فيض أنوثتها.. لتحيل عراقي مستعمرة من ورد.. يتنفسها عطر الحبوكأي شاعر يتكون من طين الحزن وخميرة الإحباط ها هو ذا ميثم العتابي الشاعر الرقيق ينفث حزنه المجيد وحيدا يطوي مسافات الألم والانتظار ناظرا متى يورق الحلم حلم الشاعر وحنينه لملاعب الطفولة رغم كونها متخمة بالأحزان والفواجع والخوف لكنها طفولة ترفض الظلم، ولها حلم وردي تخبئه في مكان لايعرفه أحد :(وأنا وأنت يا نفس.. يهمس الخوف فينا.. طفلان في الظلام نلعب.. ونلعن الظلام والنباح .. والعويل والصمت إذا يطبق قيامتي).والتميز في شعرية ميثم العتابي إنما كمن في تماهي الشاعر مع هاجس جمعي لما يعاني منه الإنسان وإصراره على موقفه الأخلاقي موظفا كل أدوات شعره الرصينة من اجل قضية مركزية أعطاها كل ما يمكنه من إبداع وفنية عالية.والشاعر ميثم العتابي من الشعراء الشباب الذين انطوت تجربتهم الشعرية على فهم وانتماء فني عال بكونهم يدركون أن الشعر رسالة جمالية وذوقية تعبر وتدافع عن الإنسان الذي يمثل الثيمة الكبرى للعمل الأدبي بكل تفرعاته وإشكاله الفنية والتعبيرية.ماذا للطائر.. والأضواء تغادر وهج المصباح.. والشاعر يبحث عن أحذية للدبابات..يعبد فيها أرصفة الجوع.. ماذا يتمنى الشاعر في عيد الميلاد؟.. أغصان لأفكار هائمة.. عش يدفئه وجه امرأة واحدة !.. ماذا للشاعر.. والأضواء تغادر تحت البارود.. الأمطار تغادر ... الأطفال تغادر ... الحب يغادر ... والطائر يغادر تحت البارود.. وأحذية الدبابات . وميثم العتابي هو احد أعضاء اتحاد كتاب وأدباء كربلاء وله إسهامات كثيرة ومتعددة في الثقافة والإعلام والنشاطات الأدبية والشعرية في نطاق الوطن وعمل محرراً في أكثر من وسيلة إعلامية إضافة إلى نشر كثير من أعماله ورؤاه في الإصدارات المقروءة والمواقع الالكترونية والصحف العراقية.
|
ثقافة
الشاعر العراقي ميثم العتابي صوت شعري في منحوتة سومرية
أخبار متعلقة