غضون
- أصبح “الغش” في المجتمع اليمني ظاهرة عامة.. كان الغش في الماضي يقتصر على مؤسسته التقليدية وهي الاختبارات في المدارس التي نسميها رسمياً “امتحانات” وهي تسمية مشتقة من “المحنة”.. والاختبارات صارت محنة بحق، ولأنها كذلك كان “الغش” أحد أسلحة التغلب على هذه المحنة.. الغش استطال وتمدد وشمل كل شيء.. السلع والثقافة والسياسة وقرارات التعيين في الوظيفة العامة والخطب المسجدية والدين.. لا يوجد شيء لم يطله الغش.. وكان الغشاشون في الماضي طلابا ومعلمين.. الآن الغشاشون كثروا ودخل فيهم الوزير والمستشار والنائب والغفير.. وصار الغشاشون الذين نجحوا في المدرسة عن طريق “الغش” هم أسياد الموقف الآن في كل وزارة وإدارة وشركة في القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع الثالث الذي نسميه مؤسسات مجتمع مدني من باب التحبب أو التفاؤل أو المجاملة..- النظام التعليمي القائم والممارسات المهنية تجاه العلم والفكر والثقافة تجعلان “الغش” الوسيلة الأكثر أهمية للحصول على شهادة.. التخرج من الثانوية العامة أو الجامعة مثلاً ليس هو ذلك الذي تزود بطرائق تفكير وأساليب التزود بالمعرفة.. بل هو الذي يحمل شهادة المتخرج.. وصارت الشهادة مجرد مستند أو وثيقة بيد صاحبها تؤكد أنه أمضى في الثانوية ثلاث سنوات وأربع سنوات في الجامعة، ولا يهم بعد ذلك إن كان قد تعلم أو لم يتعلم شيئاً خلال تلك السنوات.. قيمة الوثيقة هي الأساس وليس من هو صاحبها.. ولهذا السبب يمكنك تفسير لماذا يرغب أميون في شراء شهادة ثانوية أو جامعية..- وفي الممارسة العملية هناك مظاهر تحفز الطلاب على الغش وإعطاء أولوية للشهادة وعدم الثقة بالعلم والمعرفة والتفكير والعقل.. يمضي أحدهم تسع سنوات في التعليم الأساسي وثلاثا في التعليم الثانوي وأربعا في كلية الشرطة أو الكلية الحربية مثلاً، وبعد هذا يتخرج برتبة ملازم ويتوظف بمرتب شهري.. وهذا عادي للغاية.. لكن يحصل أن “شيخ” مثلاً، لا عهد له بمدارس ولم يحضر حصة دراسية ولا يجيد شيئاً من أمور القراءة والكتابة والحساب يصبح فجأة برتبة عقيد وله “اعتماد” ومرافقون.. ومثل هذه الممارسات تزلزل ثقة الناس بالعلم والمعرفة والثقافة وتدفعهم إلى البحث عن وسائل أخرى للترقي مثل الغش والتزلف والنفاق وتمجيد الأمية وكراهية التعليم والمتعلمين.