ترى بعض الدوائر البحثية الغربية بعامة والأميركية بخاصة أن بعض الجماعات السياسية ذات المرجعية الدينية في دول الشرق الأوسط يمكن أن تحقق نوعا من الحكم الديموقراطي في المديين المتوسط والبعيد، بعد فشل القوى السياسية المختلفة في تحقيق هذا النوع من الحكم،وبخاصة القوى القومية أو المحلية التي استندت الى مقولات ديموقراطية غربية دون محتوى حقيقي لتفعيلها.البعض يصف هذه القوى الجديدة بـ "الاسلام السياسي" والبعض يرى فيها القوة الجديدة في الشرق الأوسط، وآخرون لا يريدون أن يكيفوا صعودها السياسي الا انه مؤقت وردة فعل على واقع معيب لا غير، الا أن الحقيقة على الأرض في الشرق الأوسط تقول أن هناك قوى سياسية تستند الى الاسلام كمرجعية تنتعش في الساحة السياسية في منطقتنا وتكسب أرضا في المجمل الشعبي الوطني، تحت شعارات مختلفة منها محاربة العدو الغربي، أو محاربة فكره أو تحقيق النزاهة في العمل العام.منذ ستة وعشرين عاما والعالم ينتظر "الانقلاب الثاني" بعد الانقلاب الأول في ايران المعتمد على الخلفية الاسلامية،في ربع القرن الماضي أو يزيد شهدت منطقة الشرق الأوسط محاولات جادة بهذا الاتجاه في الوصول الى الحكم وهي حصرا ثلاث، الأولى: ما تم في السودان، التي انتقلت من حكم شبه ديموقراطي الى حكم له مرجعية إسلامية عن طريق انقلاب عسكري، الا أن هذا الحكم تعثر طويلا وكثيرا واصطدم بما في السودان من عقبات إثنية ومناطقية وثقافية،حتى وصل الى نقطة عدم الحركة أو التجمد السياسي،وفي الثانية: أفغانستان حيث تمت محاولة جادة ولكنها غير كاملة في حكم "طالبان" بنوع من التفويض ذي المرجعية الاسلامية عن طريق تنظيم انقلاب لجماعات طلابية، ولكن تلك المحاولة وجدت أمامها صعوبات داخلية وخارجية انتهت بها الى زج أفغانستان في منحدر تخلف اجتماعي - اقتصادي ومن ثم في أتون حرب تكاد تكون عالمية، فقصرت فترتها الزمنية، أما الثالثة: فهي في وصول (حماس) الى الحكم في فلسطين، هو وصول عن طريق صناديق الانتخاب ولكن قلل من تأثيره عاملان، الأول: الاحتلال، كون فلسطين بلدا محتلا بقسوة وصفاقة مما يقلل التأثير السياسي المباشر على برنامج الحكم، كما أن وجود عناصر أخرى من "فتح" في الرئاسة وبعض الأجهزة الحكومية، يجعل القول أن قوى اسلامية تحكم فلسطين اليوم قولا متحفظا عليه، على اقل تقدير بسبب ضعف القدرة على تحقيق برنامج سياسي واضح.في لبنان هناك أحزاب علنية يربط بعضها بين المقاومة والشعار الاسلامي، وبعضها الآخر يتبنى المرجعية الاسلامية مستفيدا من شعور عام في البلاد بالضجر من السياسيين التقليديين، الا أن البلد نفسه تتحكم فيه غالبية ترى التطبيق الليبرالي للحكم هو الأصلح.من يرى أن "الانقلاب الثاني" في الأفق، أي وصول حركة اسلامية الى السلطة والحكم في احد بلدان الشرق الأوسط، قد ينتظر كثيرا من الوقت،التحليل بالطبع لا يشمل التجربة التركية، كونها نابعة من عملية ديموقراطية وأيضا كونها قد عدلت وواءمت كثيرا بين شعاراتها وبين حقائق السياسة التركية العلمانية التي يحتضنها ويصونها الجيش التركي الحديث.أما القوى الاسلامية في المعارضة فانها تحقق الكثير من التقدم، ربما الانتخابات الأخيرة في الكويت دليل أخير، ولن يكون آخر الأدلة، على ذلك التقدم النسبي، و أيضا في البحرين التي عرفت التجربة الديموقراطية اخيرا من المتوقع أن تكسب المعارضة ذات المرجعية الاسلامية (بشقيها السني والشيعي) أرضا شعبية جدية في الانتخابات المقبلة،وأيضا الانتخابات الأخيرة في مصر أثبتت القدرات التنظيمية المتقدمة للحركة السياسية المستندة على مرجعية اسلامية، رغم كل الحصار المفروض عليها اعلاميا ورسميا والعوائق القانونية التي توضع أمامها، والاسلاميون في الجزائر لهم قاعدة صلبة منذ تخسيرهم للانتخابات العامة عام 1992، وما جرى في الجزائر يبدو انه ما سوف يجري في أماكن أخرى، أي اللجوء الى العنف الشرس لفترة طويلة من الزمن من قبل المحبطين في صفوف الحركة والمتشددين منهم، ثم الانكفاء للعمل السياسي من خلال صناديق الانتخاب بعد ذلك. أما الأردن وفي المغرب وفي اليمن فكانت الصورة مختلفة جزئيا، فقد واءمت الأنظمة بين القوى الاسلامية المنظمة وبين الدولة القائمة على قبول التعددية، عن طريق تقديم بعض التنازلات واشراكهم في السلطة وبخاصة في البرلمانات ذات السلطة المحدودة أصلا، أما أنظمة أخرى فقد وجدت نفسها في شبه حرب مع شعارات الاسلاميين وقواهم الى درجة منعهم تماما من الحركة في الداخل وملاحقة مروجي شعاراتهم من المواطنين في الخارج.حقيقة أن ربع القرن الأخير شهد في دول الشرق الأوسط العربية والمجاورة تحولا لجُل الشعارات السياسية من قومية وربما ماركسية، الى مقولات وشعارات ذات مرجعية اسلامية،لا شك أن الثورة الايرانية بعد ما يزيد على ربع قرن الآن من الممارسة، كانت قد أوقدت الفتيل لمثل هذا التوجه العام وضربت المثال، ولكن الفتيل نفسه كان موجودا ومبللا بمواد الاشتعال! ينتظر أن يشعل.رغم الكتابات الغربية المتكاثرة حول "الانقلابات الاسلامية المتوقعة" الا أن فيها الكثير من المبالغة في أن يحدث "وصول فجائي الى السلطة" كما حدث في ايران في ظل مرجعيات اسلامية،ولعدد من الأسباب المانعة،منها أن هذه القوى السياسية في كثير من بلدان الشرق الأوسط ليست متسقة سياسيا في ما بينها، ففي البلد الواحد هناك العديد من الأطياف "الاسلامية" السياسية بعضها يخاصم البعض الآخر،كما أن الحركة التاريخية حتى الآن في السودان وأفغانستان وحتى ايران لا تشجع كثيرا على تأييد منقطع وغير مشروط لمثل تلك البرامج من الجمهور العام، وخصوصا في حال الانفراج السياسي النسبي.مستقبل الاسلام السياسي في المنطقة اذا استمرت صناديق الانتخاب مفتوحة لدورات عديدة هو الاعتدال والتعاطي السياسي بنكهة تراثية محدثًة اذا لزم الأمر، لأننا لا نعرف حتى الآن على وجه اليقين اجابة قاطعة عن السؤال، هل يصوت الجمهور للقوى الاسلامية في الانتخابات حتى الآن لأنه يؤمن بأطروحاتهم أم بسبب ضيقه وتبرمه بما هو قائم من تشكيل سياسي؟المثال التركي هو الأوفق في أفق الكثيرين، حيث اندفع الجمهور للتأييد لسببين الاعتدال وضيق بالنخبة السياسية القديمة،الا أن التجربة تحتاج الى وقت حتى يتعرف الجمهور الى أي مدى يستطيع أن "يخدم" هذا التوجه الأهداف الوطنية في التنمية والحرية والعدالة بمعناها الواسع،الا أن هذه التجربة تتماثل الآن في مناطق عديدة من المغرب حتى الخليج بالطبع مرورا بالعراق، الذي نرى فيه تجربة اسلام سياسي تقوده أحزاب تنتظم في بيئة سياسية تعددية،وهنا يصبح القبول المبدئي بالأخر واجتهاداته حتميا مما يقلل بطبيعة الحال من احتكار كامل للحقيقة الاجتماعية والسياسية، وتصبح الحركة الاسلامية في أحسن الأحوال اجتهادا سياسيا بين اجتهادات غيرها من القوى، تبنى نتائج قبولها الجماهيري على ما تنجزه على الأرض.عدو هذا التوجه في المدى القريب هو الغلو وطرح شعارات فكرية غير متوافقة مع العصر، واخذ الناس بالزجر، وتجاهل رأي الآخرين على مستوى الوطن، وتشجيع "الارهاب" على المستوى الخارجي، اذ من الصعب تصور تشجيع الارهاب على المستوى الداخلي، والمثال الأبرز هنا ما حدث من مناصرة للزرقاوي بعد مقتله، من بعض ممثلي الاخوان في الأردن!،بمثل هذا التوجه تخسر حركات الاسلام السياسي كثيرا من تعاطف الجمهور المحلي معها، أما عدوها في المديين المتوسط والبعيد فهو فشلها في تقديم برامج تحقق للناس ما يتوقعونه منها، وهو حرب تحقيق العدالة والاستحواذ السلبي للثروة، والكثير من الشرور السياسية التي أحبطت غيرها من الحركات السياسية في السابق،كفاءة الانجاز هي المحك الذي سوف يقرر التزام الجمهور العام في وسط ديموقراطي بهذا التيار، سواء كان في المعارضة أو السلطة،وكفاءة الانجاز توجز اليوم بمحاربة الفساد بأنواعه المختلفة، وعلى رأسه الفساد السياسي. [c1]* نقلاً عن صحيفة (الرأي العام )الكويتية[/c]
هل الجماعات الإسلامية هي المستقبل؟
أخبار متعلقة